الجمعة 19/أبريل/2024

خطة باراك التفاوضية

خطة باراك التفاوضية

أوحى الإيقاع السريع لتحركات باراك الإقليمية والدولية، والنبرة الواثقة والمتفائلة، بانطلاق العملية السلمية وبقوة .

ففي فترة وجيزة قطع باراك آلاف الكيلومترات والتقى بقادة دول: مصر، الأردن، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، مصر ثانية، روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى لقاءين مع الرئيس ياسر عرفات وملأ وسائل الإعلام بتصريحات رنانة حول استئناف المفاوضات على كافة المسارات وعقد اتفاقات خلال 15 شهراً .

إطار المفاوضات

استطاع باراك رسم “صورة ذهنية” لنفسه باعتباره رجل سلام اخترق بها التحفظات والحذر وأقام جسوراً مباشرة وغير مباشرة مع أطراف العملية السلمية حيث سوق رسمياً وإعلامياً باعتباره “الأمل المنتظر” و”الفارس النبيل” الذي سيخرج العملية السلمية من جمودها وموتها البطيء، وألمح إلى ضرورة عدم إعاقته بالمطالب المبالغ فيها .

سمح له ذلك بالتحرك إقليمياً ودولياً، لطرح رؤيته لإطار المفاوضات وإيقاعها وفق منظوراته وأهدافه.

فعلى الصعيد الداخلي شكل وزارة خلت من الشخصيات الكبيرة حيث اختار الوزراء للأماكن التي حددها، واحتفظ لنفسه بوزارة الدفاع، وكلف ديفيد ليفي بوزارة الخارجية بعد أن اتفق معه على أن يكون دوره هو دور منفذ للسياسة التي يضعها باراك. واستبعد من طواقم التفاوض الوجوه السابقة وكلف جنرالات سابقين لرئاستها: الجنرال احتياط اوري ساغي رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، رئيساً للطاقم المفاوض مع سورية، الجنرال احتياط يوسي بيليد قائد المنطقة العسكرية الشمالية، رئيساً للطاقم المفاوض مع السلطة الفلسطينية وكلف الجنرال احتياط داني ياتوم المدير العام السابق للموساد بالتنسيق بين هذه الطواقم التفاوضية .

مبرزاً انفراده بتحديد سياسة الحكومة تجاه العملية السلمية، ومواقفه من بعض الملفات كالتمسك بالاعتبارات الأمنية من خلال إشراك أحزاب تعلي من شأن هذه الاعتبارات والتمسك بالاستيطان عبر تكليف حزب استيطاني “المفدال” بوزارة البناء والإسكان، والاهتمام بتسريع عملية التطبيع عن طريق تفصيل وزارة خاصة “وزارة التعاون الدولي” وإسنادها إلى شمعون بيريز صاحب فكرة الشرق الأوسط الجديد والوجه المقبول دولياً .

وعلى صعيد آخر أعطى الأولوية لتطوير القدرات العسكرية بعقد صفقات تسليح كبيرة ومتطورة 60 طائرة إف 16 محسنة تطال العراق وإيران (أصبح لدى إسرائيل 250 طائرة من هذا النوع)، الدخول في مشاريع تطوير شبكات صواريخ مضادة للصواريخ والمشاركة في تطوير أنظمة تسلح في الفضاء، 3 غواصات ألمانية حديثة قادرة على حمل أسلحة غير تقليدية وإطلاقها، مبرزاً ربطه بين المفاوضات وميزان القوى .

أما على صعيد دور القوى الدولية في المفاوضات فأوضح أنه يريد إجراء المفاوضات دون تأثيرات خارجية سلبية من وجهة نظره، وحقق في ذلك الإنجازات هي :

1- الاتفاق مع الإدارة الأمريكية على تقليص الدور الأمريكي المباشر في المفاوضات بخاصة في الشأن الأمني، والاكتفاء بدور المساعد وعدم التدخل في المفاوضات إلا بطلب من الطرفين وإعادة الدور الأمريكي إلى وضعه التقليدي، التنسيق مع إسرائيل .

فأكبر أخطاء نتنياهو من وجهة نظر باراك إفساح المجال أمام تبلور علاقة إيجابية بين ا لإدارة الأمريكية والسلطة الوطنية الفلسطينية.

2- الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على الالتزام بالدور المحدد له سابقاً، دور ممول للعملية السلمية وعدم الدخول على خط المفاوضات مباشرة أو التعليق على ما يحدث وتحديد الطرف المعرقل للعملية وإدانته.

3- إغراء روسيا بلعب دور إيجابي، من وجهة نظره، مقابل السماح لها بلعب دورها كراع ثان للعملية السلمية، هذا الدور من شقين:

أ- تسهيل استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني باستخدام نفوذها لدى الطرف العربي.

ب- إضعاف أوراق الضغط ا لعربية عن طريق تحديد نوعية الأسلحة وكميتها التي يمكن أن تبيعها روسيا لسورية .

 

مناخ المفاوضات

المشهد السياسي بالغ التعقيد نتيجة تداخل وتشابك القوى والمصالح والمواقف الإقليمية، فباراك محكوم بمجموعة من عناصر الضغط .

أولها: الأثر الذي تركه نتنياهو الذي كرّس حقائق سياسية لعل أخطرها إمكانية تجميد العملية السلمية وتحقيق خفض جدي لسقف التوقعات الفلسطينية والعربية .

ثانيها: غياب حافز يغري إسرائيل بتنفيذ التزامات المرحلة الانتقالية بعد تنفيذ الطرف الفلسطيني لالتزاماته وافتقاره لوسائل ضغط أو إغراءات .

ثالثها: وجود قطاع إسرائيلي رافض لأي تنازل إقليمي .

رابعها: اطمئنان باراك إلى ضعف الدول العربية ووجود تناقضات بينها ومراهنته على اللعب على هذه التناقضات.

خامسها وآخرها: يقين باراك بأن الظرف الدولي موات له، فالإدارة الأمريكية قبلت طلبه تخفيض دورها من دور الراعي إلى دور المساعد وبقاء الاتحاد الأوروبي على دوره المحدود “ممول العملية السلمية” .

تقابلها عوامل تدفع باتجاه تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية وإتمام العملية السلمية .

أولها: وجود قطاع متزايد من الإسرائيليين يعتبر “السلام” أولوية وأولوية ملحة، وقد عبر عن نفسه بالانتقادات الحادة التي وجهتها الصحافة الإسرائيلية لتباطؤ باراك في العملية السلمية، والتي ذكرته بأن ناخبيه يتوقعون منه أن يعرض الزمن الذي أضاعه نتنياهو، وإذا به أكثر ميلاً للتسويف ووضع المواعيد البعيدة .

ثانيها: المخاطر التي يمكن أن تنجم عن اقتناع العرب ان اسرائيل يميناً ويساراً، بعد التجربة، غير قادرة على دفع ثمن السلام معهم، واحتمال عودة دورة العنف، ومؤشرات ذلك كثيرة تنم عن ازدياد درجة الاحتقان والتوتر التي عبّرت عن نفسها في عملية عقوبة وفردية حصلت أخيراً، يزيد من خطورتها التداخل الجغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين .

ثالثها: الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه اسرائيل نتيجة تجميدها للعملية السلمية، وقد دفعته خلال فترة حكم نتنياهو تجسد في تراجع حجم الاستثمارات الدولية في اسرائيل وتراجع نسبة النمو وتزايد البطالة، ناهيك عن العزلة السياسية وشبه القطيعة التي حصلت حتى مع حليفتها واشنطن، هذا بينما باراك بحاجة ماسة لعودة الاستثمارات لتنشيط الاقتصاد وتحقيق وعوده الانتخابية على هذا الصعيد .

رابعها: تشكل الحكومة والكنيست من أغلبية من اليسار والأوساط السلمية، وتهميش الأطراف الرافضة للتسوية،بخاصة في الجولان، في الانتخابات وفي استطلاعات الرأي.

خامسها: ارتباط الانسحاب من لبنان، وهو مطلب إسرائيلي ملح، بما سيحصل على المسار السوري .

سادسها: المعضلة الفلسطينية لب الصراع العربي – الإسرائيلي وجوهره، والعرب، رغم ضعفهم ملتزمون بأن الموقف من فلسطين معيار لعلاقتهم ليس بإسرائيل فحسب بل وبالغرب والعالم .

سابعها: تمسك واشنطن بإبقاء العملية السلمية حية ونشطة لتسجيل إنجاز خارجي للحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات الرئاسية .

ثامنها وآخرها: وجود رغبة دولية بحل الصراع – الإسرائيلي.

 

خطة باراك

عكست تصريحات وتحركات باراك نمط المفاوضات التي ينوي خوضها، واعتماده خطة مكونة من مستويين هما:

1- إطلاق وعود بتحريك المفاوضات وتحقيق إنجازات على كافة المسارات، والإيحاء بأفضلية لهذا المسار أو ذاك لتحفيز التنافس العربي – العربي، وابتزاز تنازلات كبيرة.

2-العمل على تحقيق اختراق واسع في مسائل التطبيع، وإنهاء حالة المقاطعة العربية، بخاصة بعد إنجاز تقدم على المسارين السوري واللبناني واستخدام ذلك في تركيز الضغط على المفاوض الفلسطيني .

فباراك مع تحريك المفاوضات على كافة المسارات لتلافي الانتقادات المحلية والدولية مع اعتماد آلية معقدة: عرقلة على المسار الفلسطيني وتقدم على المسارين السوري واللبناني، حيث سيعتمد تكتيك إغراق الطرف الفلسطيني في مفاوضات معقدة حول تطبيق الاتفاقات المرحلية، مع إثارة الخلاف حول قضايا الحل الدائم واستفزازه بممارسات استيطانية وأمنية تتناقض مع الاستحقاقات المتفق عليها، واستنزاف الوقت والجهد الفلسطيني مع عدم إعطاء مبررات لقطاع المفاوضات عن طريق تحقيق تقدم في قضايا رمزية وثانوية .

وبعدها يستطيع باراك المطالبة بإنهاء المقاطعة العربية والولوج في أجواء علاقات طبيعية بين إسرائيل وباقي ا لدول العربية والاستفراد بالطرف الفلسطيني، الملف الأهم بالنسبة له ولائتلافه الحاكم، لتحقيق رؤيته في قضايا الحل الدائم، التي لا يختلف فيها عن نتنياهو .

كل هذا في بيئة إقليمية ودولية مواتية بعد أن أمن موقفاً أمريكيا أوروبيا روسياً لصالحه .

إن هدف باراك من خطته التفاوضية تحقيق هدفين رئيسيين (أ) الاستحواذ على أكبر قدر من أرض فلسطين (ب) إقامة علاقات طبيعية وشاملة بين إسرائيل والدول العربية.

ستشهد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية انعطافات وانقطاعات تستثمر خلالها اسرائيل التناقضات العربية – العربية وتسعى

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات