الثلاثاء 23/أبريل/2024

أربعة فصول تروي قصة التورط الإسرائيلي في جنوب لبنان

أربعة فصول تروي قصة التورط الإسرائيلي في جنوب لبنان

بدأت هذا الحديث ضحى يوم الخميس 25/5/2000، 20 صفر الخير 1421 “يوم التحرير والمقاومة” في لبنان، وفي خضم الفرحة بانتصار لبنان ونصب العين تحرير القدس وفلسطين بجهاد دائب ومقاومة متصاعدة، نستذكر فصول قصة التورط الإسرائيلي الصهيوني في جنوب لبنان، لنستخلص منها دروساً وعبراً تفيدنا في صراعنا ضد عدونا الصهيوني العنصري وتحقيق انتصارنا عليه في فلسطين بعد أن انتصرنا عليه في لبنان.

من أين نبدأ القصة؟ .. متى وضعت الحركة الصهيونية جنوب لبنان هدفاً لغزوتها ولأطماعها التوسعية؟ .. وكيف انتقلت إلى التخطيط ومن ثم إلى اجتياح الجنوب؟ .. ثم متى بدأت تعاني؟ .. وكيف اضطرت للقيام بانسحاب أول؟ .. وكيف عمدت إلى اقتراف جرائم حرب بشعة يحفظها كتاب احتلالها؟ .. وأخيراً كيف اضطرت للانسحاب من الجنوب بمهانة وانهزمت؟.

أعود الى كتابات سابقة تناولت فيها هذه القصة، لأعرضها في فصول.

الفصل الأول

بدأت الحركة الصهيونية تربصها بلبنان منذ بدأت غزوها لفلسطين أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وكانت فلسطين ولبنان قبل عام 1916 إقليمين تحت الحكم العثماني. وكانت حدود فلسطين الادارية مشتركة مع سنجق بيروت، وكان شمال فلسطين يضم لواءي نابلس وعكا، وهما جزآن من ولاية بيروت.

جاءت معاهدة سايكس بيكو عام 1916، لترسم خطوطاً فاصلة بين القطرين ثم جاء تصريح بلفور عام 1917، وتبعه قيام إنكلترا وفرنسا نيابة عن فلسطين والرافدين (العراق) وسورية ولبنان بتحديد الحدود السياسية بين مناطق “انتدابهما” في معاهدة باريس بتاريخ 23/1/1920، بعد أن احتلتا هذه الأقطار آخر الحرب العالمية الاولى واستعمرتاها تحت اسم “انتداب” أقرته عصبة أمم تسيطر عليها دول الهيمنة الاوروبية، وما أسرع ما طرأت تعديلات على هذه الحدود، ولا سيما الحدود بين فلسطين ولبنان.

وتكشف لنا مذكرة بعث بها لورد بلفور إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في 26/6/1919 عن العامل الصهيوني في رسم هذه الحدود، وقد جاء فيها “الشيء الرئيس الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار في تحديد هذه الحدود هو جعل السياسة الصهيونية ممكنة من خلال إعطاء مجال للتطورات الاقتصادية في فلسطين، ولذا يجب أن تعطي الحدود الشمالية لفلسطين سيطرة كاملة على مصادرة المياه”، ويوم ذاك أجمع المسؤولون الإنكليز، في فلسطين، وهم من الصهاينة أو من الموالين للصهيونية على أن ترسم الحدود في أماكن تمكن من الحصول على مياه الليطاني ومياه السفوح الجنوبية لجبل الشيخ، ومياه السفوح الغربية لمرتفعات الجولان ومياه نهر اليرموك ومياه نهر الأردن معاً.

حين قامت لجنة تعيين الحد برسمه في الطبيعة وتثبيته على الخريطة، وجدت صعوبات بالغة وهي تفصل ما كان موصولاً دوماً، وهكذا بلغ عدد القرى التي قسمها الحد 22 قرية على طول الحدود الفلسطينية – اللبنانية السورية. واضطرت الدولتان المنتدبتان “المستعمرتان” إلى إبرام اتفاقية حسن جوار عام 1926 لمعالجة المشكلات التي نجمت عن رسم الحدود وعانى منها أهل البلاد ما عانوا لأنها مست جوانب حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والروحية والسياسية. وتكشف الدراسات التي أُجريت على هذا الموضوع، ومنها دراسة الدكتور محمد محمود الديب، عن أن الصهيونية بذلت قصارى جهدها لضم جنوب لبنان إلى الأرض التي وعدتها بريطانيا أن تكون وطنا قوميا لليهود فلما لم تصل إلى مبتغاها جعلت تغيير الحدود هدفاً لها، وعبرت عن قناعتها “بأن الحدود السياسية هي غشاء رقيق يغلف كائناً حياً، وأن نمو هذا الكائن الحي سيؤدي حتماً إلى تمزيق الغشاء الرقيق ليتوسع على حساب الاقطار المجاورة لفلسطين”، وهذه هي المقولة التوسعية الصهيونية، وهكذا أصبحت السيطرة على جنوب لبنان من بين أهداف التوسع للحركة الصهيونية.

الفصل الثاني

بدأ بعد أن أقامت قوة الهيمنة الدولية “دولة إسرائيل” عام 1948 للحركة الصهيونية وحلت النكبة بشعب فلسطين العربي. وكانت لبنان ومعه سورية بين اوائل الاقطار التي نالت استقلالها في ثورة التحرير العالمية عام 1945، وهكذا اصبح الوجود الصهيوني على تخوم لبنان الجنوبية، وشرعت الحركة الصهيونية في بلورة مخطط تجاه لبنان، وقد كشفت لنا يوميات موشي شاريت خطوط هذا المخطط الذي نشرت دراسة قيمة عنه ليفياروكم.

تحدثت هذه اليوميات عن اجتماع شارك فيه مع موشي شاريت بن غوريون ولافون وديان يوم 27/2/1954 جرى البحث فيه عن لبنان، وبلور الاجتماع اقتراحاً محدداً لخلق المتاعب في أكثر الجيران أمناً وهو لبنان، بعد أن كانت المجموعة نفسها قد ناقشت خططا لغزو سورية ومصر، وفي حالة لبنان لم تحاول طموحات الهيمنة الاسرئيلية، على حد تعبير ليفياروكم، ان تتظاهر بستر عورتها بورقة تين من مزاعم “الأمن” و”الدفاع”، فقد طرح بن غوريون اقتراح إيجاد دولة مارونية في جزء من لبنان ينفصل عنه وتتحكم فيه “إسرائيل”. وثار جدل حول الاقتراح عمد فيه شاريت الى تفنيده ووصفه “بأنه كلام فارغ” وشرح العقبات التي تقف امام تنفيذه، وجماعها عدم وجود عامل واحد جاهز لخلق مثل هذه الحالة. ورد بن غوريون بعنف موجهاً انتقادات لشاريت منها افتقاره للجرأة وصغر عقله وضيق افقه. وحين قال شاريت “لا نملك المال اللازم”، أجابه بن غوريون “المال يتم توفيره ان لم يكن من الخزانة فمن الوكالة اليهودية نأخذه”، وختم قائلاً “عندما يحدث هذا فإن تغييراً حاسماً سوف يأخذ مكانه في الشرق الاوسط”.

تتابع يوميات موشي شاريت سرد قصة هذا المخطط الصهيوني تجاه لبنان، فتورد رسالة بعث بها بن غوريون في اليوم نفسه حين عاد إلى منتجعه في سيدي بوكر شرح فيها الهدف تفصيلا وكيفية العمل لتحقيقه وختم قائلاً “لا ادري ان كان لنا رجال في لبنان، ولكن هناك طرقا متعددة يمكن بواسطتها تنفيذ هذا المخطط”.

وقد رد شاريت برسالة يوم 18/3/1954 تزحزح فيها عن موقفه. وهكذا انتقل الحوار في 16/5/1954 إلى كبار الضباط والمسؤولين في وزارتي “الدفاع والخارجية”، وطرح عليهم بن غوريون اقتراحه، وتبعه ديان الذي رسم “شريط مشاهد” متكاملاً (سيناريو)، يبدأ بإيجاد ضابط او حتى “مأجور” يقبل القيام بدور ترسمه “اسرائيل” له، ويوافق ان يعلن نفسه منقذاً للبنان، ثم يقوم الجيش الاسرائيلي بدخول لبنان واحتلال جزء من اراضيه واقامة دولة في هذا الجزء تكون حليفة “لدولة اسرائيل”، وعندها تضم “إسرائيل” الاراضي الواقعة جنوب الليطاني ضماً كلياً.

يلفت النظر في القصة أن ديان باشر التمهيد لتنفيذ المخطط بالقيام في 22/9/1954 بعدوان على لبنان تحت غطاء انه عمل انتقامي رداً على حادث غامض وقع في طبرية، وذلك على الرغم من اعتراض شاريت على فتح جبهة جديدة على “حدود كانت هادئة تماما منذ عام 1948”. ولم يؤخر متابعة الاعمال العدوانية إلا انشغال “اسرائيل” بالتآمر مع فرنسا وبريطانيا لشن العدوان الثلاثي على مصر. ولكن اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تابعت محاولاتها البحث عن “عميل”.

دخل المخطط الاسرائيلي تجاه لبنان مرحلة جديدة بعد حرب حزيران (يونيو) 1967 التي أرادت بها الحركة الصهيونية تمهيد أرضية “التغيير الحاسم في الشرق الاوسط” على حد تعبير بن غوريون. وكانت هذه الحرب تستهدف في ما تستهدف السيطرة على منابع المياه في الجولان، فهي “حرب حول المياه” في أحد وجوهها.

وكان ابا ايبان قد شرح في كتابي “شعبي” وفي عدد من محاضراته تصوراً لهذا “الشرق الاوسط” الذي “يضم شعوبا مختلفة ودولا، وكان مهد حضارات متباينة” على حد زعمه، وصولا الى تبرير وجود “اسرائيل” في قلب الوطن العربي، والى “بلقنة” المنطقة باقامة دول فيها على اساس طائفي.

الفصل الثالث

بدأ في 14/3/1978 حين اجتاحت القوات الاسرائيلية جنوب لبنان في “عملية الليطاني”. وقد كشف الاسم الرمزي هذا عن أبعاد الأطماع الصهيونية، وشرح دلالته غسان تويني في مقدمته لوثائق الامم المتحدة الخاصة بلبنان حين اصدرها في كتاب. وكان الاسرائيليون قد تواصلوا عام 1976 مع “سعد حداد” الضابط المتمرد الطامح للسلطة وجعلوه عميلاً لهم وساعدته المخابرات الاسرائيلية على تشكيل “قوات سعد حداد”. وأطلقوا على هذه القوات بعد قيامهم بالاجتياح اسم “جيش لبنان الحر” في 8/4/1979 بعد أن أعلن سعد حداد قيام ما أسماه “دولة لبنان الحر”.

تصاعدت المقاومة في مواجهة هذا الاجتياح الاسرائيلي. وشارك فيها مع قوات الثورة الفلسطينية الموجودة في لبنان فصائل المقاومة اللبنانية. وأصدر مجلس الأمن في 19/3/1978 قراره رقم 425 الذي نص على الاحترام الكل لسلامة اراضي لبنان وتكاملها وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده الدولية المعترف بها. وطالب “اسرائيل” بوقف عملياتها العسكرية فورا وانسحابها من الاراضي اللبنانية.

كان واضحاً أن الولايات المتحدة الامريكية اعطت الضوء الاخضر لتابعها الاسرائيلي للقيام باجتياح جنوب لبنان. وقد اضطرت امام الاستهجان الدولي والعربي للاجتياح ان توافق على قرار 425 في مجلس الامن ولا تستخدم “الفيتو”. ولكنها لم تفعل شيئا لدفع الكيان الاسرائيلي لتنفيذ القرار. وهكذا بقي القرار ينتظر حدوث ما يضطر “اسرائيل” لتنفيذه، ومع تصاعد المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني، سعت الولايات المتحدة من خلال دبلوماسية سرية لتهدئة الجبهة التي احتدم فيها الصراع. ومن الذين شاركوا في هذا السعي القس جيسي جاكسون الذي زار لبنان في صيف 1981 الساخن. وكانت الولايات المتحدة قد تبنت ابرام اتفاقات كامب دافيد بين مصر و”اسرائيل” في ايلول (سبتمبر) 1978 بعد عشرة شهور من زيارة الرئيس السادات للكنيست في تشرين ثاني (نوفمبر) 1977، ثم توصلت معها إلى ابرام معاهد 1979.

الفصل الرابع

بدأ في 5/6/1982 بقيام “اسرائيل” باجتياح آخر لجنوب لبنان استهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في عملية كبيرة، وذلك في ظل ظروف دولية صعدت فيها ادارة رونالد ريغان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وكان واضحا ان الادارة الامريكية اعطت ضوءاً أخضر لاسرائيل ان تحتل الجنوب كله حتى نهر الاولي شمال صيدا، وقد تابع شارون وزير الحرب الاسرائيلي بموافقة مناحيم بيغين رئيس الوزراء الاجتياح حتى وصل إلى بيروت الشرقية.

شهد هذا الفصل معركة بيروت الكبرى في صيف 1982 التي قاتلت فيها المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ببسالة القوات الاسرائيلية المعتدية. وخاضتها ضدها وجها لوجه حربا اثبتت قدرة المقاومة ع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن وأصيب آخران بجروح - فجر الثلاثاء- برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها أريحا. وأكد مدير...