الجمعة 29/مارس/2024

الاتفاقات الأمريكية الصهيونية منذ العام 1967 ومؤشراتها السياسية

الاتفاقات الأمريكية الصهيونية منذ العام 1967 ومؤشراتها السياسية

بعد توقيع اتفاق واي ريفر بيومين جرى توقيع اتفاق امريكي – صهيوني لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين وصفت بأنها الاهم في تاريخ التحالف الامريكي الصهيوني منذ العام 1967 .

مركز فلسطين للدراسات و البحوث رصد في دراسة له بعنوان ” قراءة في مسلسل اتفاقات التعاون الاستراتيجي الأمريكية الصهيونية منذ 67 ومؤشراتها السياسية ” تطور العلاقة الأمريكية الصهيونية من علاقات تعاون استراتيجي الى تحالف استراتيجي الى شراكة استراتيجية وتكامل في ميادين التخطيط العسكري و الامني و السياسي ليصبح الكيان الصهيوني جزءاً مهما في المعادلة السياسية الامريكية في الداخل و الخارج لانه بات يشكل العمق الجيوستراتيجي لامن المصالح الامريكية في الشرق الاوسط .

وتوضح الدراسة التي أعدها الباحث ماهر عبد الرحمن الترابط بين هذه العلاقة و التفاعلات السياسية في المنطقة في مراحلها المختلفة والتي هدفت الى ترويض عوامل القوة الفلسطينية و العربية واستثمارها في رهانات التسوية السياسية الامريكية الصهيونية لتحتل ” اسرائيل ” عبر هذه التسوية مكانها في العمق العربي و الاسلامي وتهيمن على مقدرات ومستقبل المنطقة ، داعيا الا يتوهم احد ان هناك مجال للمراهنة في عصر العولمة أو ” الأمركة ” على دور امريكي ضاغط او رعاية امريكية نزيهة يمكن ان تعترف بالحقوق العربية او بأبسط حقوق الشعب الفلسطيني .

وترى الدراسة ان هذا الاتفاق الذي اعتبرته المصادر الصهيونية انه الاهم في تاريخ التحالف الامريكي الصهيوني بدأ استجابة للتفكير الاستراتيجي المشترك بين طرفيه حيال ” مخاطر ” وتحديات كبرى افرزتها مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية في منطقة الشرق الاوسط ولم تستكمل بعد آليات مواجهتها بشكل كاف .

ويقر الاتفاق برامج عسكرية وسياسية وامنية لتنفيذ مذكرة تعاون سابق وقعت في نيسان 1995 تنص على تدعيم وتطوير المقدرة الاستراتيجية الاسرائيلية لمواجهة تهديد الصواريخ البالستية ( وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الايراني بعيد المدى ) واسلحة التدمير الشامل التي يمكن ان تحصل او ” حصلت ” عليها دول عربية واسلامية الى جانب ملاحق امنية وعسكرية تركز في مجملها على ما تسميه ” مكافحة الارهاب ” وخطر ” الاصولية الاسلامية ” .

سلسلة متكاملة

ويقول الباحث ان تاريخ العلاقة بين الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة تضمن مسلسلا من اتفاقات التعاون الاستراتيجي التي كانت تعلن بين الحين و الاخر وتجري عليها التعديلات والاضافات بالتناغم مع اختلاف المعطى السياسي وحركته ومواقع الفعل الامريكي الصهيوني في اطاره .

وتوضح نظرة شاملة الى هذه الاتفاقات أنها شكلت بنية دراماتيكية متكاملة الحلقات جرى تطويرها وانضاجها بهدوء خلال اكثر من 28 عاما لتصل الى مستوى الشراكة الاستراتيجية و التكامل الشامل سياسيا وعسكريا .

واشار الى انه يمكن رصد علاقات التعاون الاستراتيجي الامريكية الصهيونية تصاعديا في اربع مراحل ؛ الاولى هي الفترة التي نظرت خلالها امريكا الى الكيان الصهيوني باعتباره مكسبا استراتيجيا في عهد ادارتي ” ايزنهاور وكيندي”، وعرفت تلك المرحلة ترجيح مراكز البحث الاستراتيجي في الولايات المتحدة لاهمية الكيان الصهيوني في برنامج بعيد المدى لاستقرار امن المصالح الامريكية في الشرق الاوسط .

اما المرحلة الثانية فهي التي بدأ فيها فعاليات التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وتل ابيب بعد 1967 ، الا ان البداية الفعلية لهذه الفترة من العلاقة كانت عام 1970 حيث بدأت الاتفاقات الاستراتيجية بانجاز عملية تحويل شاملة للتكنولوجيا العسكرية الامريكية الى الكيان عبر صفقات متتالية امتدت حتى 1979 .

اما المرحلة الثالثة والتي امتدت منذ مطلع الثمانينات حتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 وتميزت بتشكيل وتوطيد شبكة واسعة من اللجان المركزية لتنظيم انتقال التكنولوجيا والتبادل التجاري والعسكري والخبرات الفنية بين الجانبين ، وجرى فيها تشكيل فرق عمل تشرف على ادارة البرامج المشتركة وتتولى تنظيم وتعميق العلاقات الثنائية بين وزارتي الحرب في كلا البلدين ، والاهم من ذلك انشاء هيئة التخطيط الاستراتيجي لمختلف الحاجات العسكرية التكنولوجية و الاستراتيجية .

واعتبرت الدراسة ان المرحلة الاكثر نضجا هي المرحلة الرابعة التي اكتمل فيها موضوع الشراكة الاستراتيجية و التكامل في مختلف ميادين التخطيط العسكري والامني و السياسي الاستراتيجي ويمكن تحديدها نظريا منذ العام 1989 وحتى اللحظة حيث اصبح التواؤم الامريكي الصهيوني اشبه بالحكومة الثابتة و القائمة بذاتها .

واوضح الباحث ان اول تحرك صهيوني في تعميق العلاقة مع الولايات المتحدة كان في العام 1921 ضمن ما عرف بـ ” النداء اليهودي ” الذي انبثقت عنه عام 1939 المنظمة اليهودية الرئيسية في الولايات المتحدة لدعم الكيان الصهيوني ” المحتمل ” في نيسان عام 1941 مما شجع هيئات منظمة المؤتمر الصهيوني على قيام اول مجموعة ضغط في الولايات المتحدة ضمت 700 عضو بينهم ستة اعضاء في مجلس الشيوخ و130 عضوا من مجلس الممثلين ، وكان على رأس اهداف هذه المجموعة التعجيل في خلق قناعة لدى الساسة الامريكيين بالاهمية الاستراتيجية لـ ” دولة يهودية ” لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ، واسست بعد ذلك منظمة اللوبي الصهيوني ” ايباك ” ( American Israel Public Affairs Comminute ) التي نشأت عام 1954 واسهمت بعد ذلك في عطف العلاقة مع امريكا من علاقة خاصة تحددها مصالح الولايات المتحدة الى جعل الكيان جزءا لا يتجزأ من المعادلة السياسية الامريكية في الداخل والخارج .

وتشير الدراسة الى ان المراحل الثلاثة الاخيرة في العلاقة الاستراتيجية الامريكية الصهيونية ذات اهمية خاصة فقد كانت تقوم على اساس تحقيق نوع من الضمانات للوجود الاسرائيلي في اراضي المنطقة وذلك حسب التصريح الثلاثي (فرنسا- بريطانيا- الولايات المتحدة الامريكية) الصادر عام 1951 ثم جرى تطوير هذه الرؤية منذ مطلع الستينات فساد ما عرف بمفهوم “التوازن” في اوضاع المنطقة السياسية والعسكرية لمنع العرب من التفوق الجبهوي على الكيان الصهيوني، وبمجيء العام 1967 تقدمت واشنطن لترث عن فرنسا دور الرديف العسكري والامني لهذا الكيان فيما كانت حرب حزيران قد سرّعت في انجاز المتغيرات الامريكية واسست للفرضية الامريكية الاستراتيجية بان الكيان مؤهل ليشكل العمق الجيوستراتيجي لامن المصالح الامريكية في “منطقة الشرق الاوسط”.

اتفاقات التعاون الاستراتيجي

وتقول الدراسة ان حجر الأساس في اتفاقات التعاون الاستراتيجي الأمريكية الإسرائيلية ما سمي بـ ” الاتفاق الأعلى لتبادل المعلومات من اجل تطوير الدفاع ” في اواخر عام 1970 وتضمن كماً كبيراً من مذكرات تبادل البيانات الخاصة بتطوير الخطة الوقائية الاستراتيجية العسكرية الصهيونية كما تضمن ملحقا في مجالات عسكرية تخصصية مختلفة ، وتعتبر هذه الاتفاقية اكبر صفقة لتحويل التكنولوجيا الامريكية الى ” بلد حليف ” وتمت برعاية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كسينجر “.

وقد أظهرت عوامل هذه الاتفاقية على الصعيد السياسي عدة نقاط من واقع ما كانت عليه التفاعلات السياسية للمنطقة في تلك المرحلة من الصراع العربي- الإسرائيلي حيث شكلت البداية الفعلية لتجسيد الاعتبار الأمريكي للكيان ك “مكسب استراتيجي” وكانت بذلك نقطة التحول الأهم في صياغة الولايات المتحدة لتقديراتها الاستراتيجية في المنطقة.

وتوازت الاتفاقية مع ما اسماه الباحث بمرحلة المشاريع السياسية للتسوية سواء الامريكية منها او الاسرائيلية بجانب القرار الدولي 242 بعد حرب 67 وظهور مبدأ “الارض مقابل السلام” حيث طرح بين عامي 1967-1972 اكثر من 15 مشروعا ومبادرات ووثائق خاصة للتسوية كوثيقة حزب العمل الصهيوني الذي ظهرت بعد الحرب مباشرة وعدت الى المشاركة في “مؤتمر سلام دولي” يبحث انشاء دولة فلسطينية اردنية في الاردن مع رفض الكيان الصهيوني أي عودة عن حدود ما قبل 4 حزيران 1967، ومشروع الوزير الصهيوني يغال آلون الذي يرسم حدود الكيان الصهيوني بحيث يتخلى عن بعض التجمعات السكانية الفلسطينية في المدن والقرى فيما يحتفظ بالجغرافيا الهامة في غور الاردن وبيسان وشمالي البحر الميت مع العمل على توسيع الاستيطان في الاراضي المحتلة، ومشروع دايان “للسلام” ومشروع بن غوريون ومشروع الحزب الديني القومي ومشروع حركة حيروت ومشروع غاليلي.. وهذه جميعها تتفق على ترتيبات ومتغيرات تكتيكية اسرائيلية في الاراضي المحتلة عام 67 ناظمها الاساسي يقوم على مقولة تحقيق اسباب التحكم والامن الاستراتيجي الصهيوني.

واوضحت الدراسة ان المشروعين الاولين “وثيقة حزب العمل -والون” يشيران بصراحة الى الاهمية الخاصة للعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في تحقيق التوجه السياسي الاسرائيلي لادارة الصراع مع العرب في المراحل المقبلة، مشيرة الى ان كيسنجر توعد في تلك الفترة المنطقة العربية “بحمامات دم” اذا لم تستجب لارادة الحل السياسي وتزامن ذلك الموقف مع تبني واشنطن ل “مشروع يارنغ” المقدم في شباط 1971 والذي طلب من مصر الالتزام والتعهد بالدخول في اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني بمقابل قيام الكيان الصهيوني بسحب قواته من “اراض محتلة تابعة لمصر”.

واضاات ان الاتفاقية حملت عنوان التوجه الامريكي للمرحلة المقبلة ولذلك فقد تابعت الولايات المتحدة سلسلة من التفاهمات الامنية والعسكرية التي عززت صفقة 1970 ومن ذلك مذكرة التفاهم الموقعة عام 1971 لتنظيم انتاج المعدات الحربية الامريكية للكيان الصهيوني.

وقالت الدراسة ان المحطة المفصلية الثانية في العلاقة الامريكية- الاسرائيلية عرفت رسوخ مؤسسات “الاتفاق الاستراتيجي” بين الطرفين، فمنذ نهاية حرب اكتوبر وحتى 1979 اغرقت واشنطن بعدد من مذكرات التفاهم العسكري والسياسي والأمني الجديدة تلقى الكيان بموجبها اكثر من مائتي ” رزمة معلومات فنية ” وتضمنت كل رزمة المعلومات اللازمة لانتاج او صيانة المعدات الحربية المتنوعة فيما ارتفع معدل المساعدات العسكرية الامريكية الرسمية للكيان بمقدار الضعف اثر قيامه بالغزو الاول لجنوب لبنان عام 1987.

ويوضح الباحث أن أهم ملامح التفكير السياسي الأمريكي الموازية لتلك التطورات في الجانب العسكري تجسد في عودة المخاوف حيال مستقبل الكيان الصهيوني والمخاطر العسكرية التي تهدده من محيطه العربي الامر الذي رفع من جديد حرارة خيار التفوق النوعي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات