الخميس 25/أبريل/2024

في استطلاعاتنا المسيّسة: عبد ربه قد يفوق في شعبيته هنية !!!

أ. عماد صلاح الدين

 


كاتب وباحث في الشؤون القانونية والسياسية

مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان


منذ أن بدأت الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في وقت متقدم من العام الجاري, رأينا نشاطا منقطع النظير وربما غير مسبوق لمراكز فحص الرأي العام واستطلاع مواقفه المختلفة…
 جميل جدا أن تكون لدينا العديد من مراكز ومؤسسات البحث واستطلاع الرأي، فهذا إن دل في العموم فإنه يدل على حالة سياسية واجتماعية صحية , لكن المأساة الكبرى ومن خلال مراقبة العديد من أوساط المجتمع الفلسطيني لأداء هذه المراكز يجد المرء المراقب أو القارىء لنشراتها الاستطلاعية أن تلك الاستطلاعات الفاحصة لاتجاهات الرأي العام الفلسطيني تنقصها الموضوعية في الإنصاف المتجه نحو معرفة الحقيقة , فمن صفات أي مركز بحثي سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أنه دوما يحاول مراعاة التوصل إلى ما هو حقيقي وموجود على أرض الواقع , وفي سبيل ذلك يتم استخدام الأدوات البحثية المختلفة وكذلك تحديد الضوابط والمحددات المطلوبة في اختيار العينة البحثية من حيث مراعاة على سبيل المثال عشوائية اختيار العينة الديمغرافية بطريقة تحاول التقليل أو قدر الإمكان الابتعاد عن استهداف عينة بذاتها معروفة أنها تؤيد هذا الخط السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غيره .
 
على أية حال, أنا لست خبيرا إحصائيا أو استطلاعيا في مثل هذه الجوانب البحثية المهمة, لكنني كقارىء ومتابع في كثير من جوانب الحياة الفلسطينية العامة رأيت وغيري أن الاستطلاعات التي تجريها مراكزنا البحثية العديدة قد جاءت وللأسف الشديد مناقضة تماما لما جرى على أرض الواقع من نتائج حقيقية وليس أدل على ذلك تلك المفارقة الغريبة بين ما توقعته معظم استطلاعات الرأي حول فوز حركة فتح في الانتخابات التشريعية وتفوقها- والتي يبدو أن كثيرا منها يعمل لصالح حركة فتح بشكل خاص ولفصائل منظمة التحرير التي تتنفع وتتكسب من وراء المنظمة والسلطة التي تسيطر عليهما حركة فتح – وبين ما حدث وبات حقيقة ملموسة على أرض الواقع من فوز حركة حماس الساحق في الانتخابات الأخيرة حيث أنها حصدت أكثر من ثلثي مقاعد المجلس التشريعي, وفي تلك الأثناء أصبح كثيرون من الناس يتندرون على مراكز الاستطلاع التي ذهبت في توقعاتها حول فوز هذه الجهة أو تلك, وعقب كتاب كثر على أداء هذه المراكز وحول تحيزها الحزبي وذلك في أكثر من مقالة, ورغم محاولة بعض هذه المراكز اختلاق المبررات لهكذا توقعات من حيث تردد الناخب المراد استطلاعه وخوفه ووجله من هذه الجهة أو تلك وبالتالي عدم إدلائه برأيه الحقيقي, إلا أن هذا التبرير وغيره لا يدخل عقل المواطن الفلسطيني العادي فضلا عن تقبله من المراقب أو الخبير الحقيقي والموضوعي في موضوعات قراءة وفحص الرأي العام, ذلك لأن الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله وضمن ظروفه الموضوعية بكونه أولا شعب يحيا تحت الاحتلال وفي ظل سلطة حكم ذاتي لا تمتلك من الأدوات والقدرات لقمع رأيه وحريته كما هو الحال في أنظمة الحكم العربية الإقطاعية, وبالتالي فإنه من غير المقبول عقليا ومنطقيا ومن ما هو موجود فعلا أن المواطن الفلسطيني يتوجل ويخاف من إبداء رأيه أو موقفه أو صوته, أنا شخصيا ضمن المحيط الذي أعيش وضمن ما أعرف من الناس استطيع أن أحدد الاتجاه السياسي لهذا المواطن أو ذاك, ولذلك فإن ما بررته تلك المراكز والمؤسسات في حينها لا تستقيم في ميزان الحقيقة والمعرفة الموضوعية.
 
مع ذلك كله, يبدو أن تلك المؤسسات لم تتعلم أو لم تعتبر من تجارب ما مضى من سالف الأيام, ولازلنا نراها حتى اليوم تطالعنا باستطلاعاتها الحزبية لصالح فصيل بعينه وأقصد هنا بشكل واضح حركة فتح ورئيس سلطتها عباس, فمعظم الاستطلاعات المسيسة بهذا الاتجاه – وهي بالمناسبة كثيرة- نراها بأرقامها الإحصائية غير المستندة إلى الموضوعية العلمية تخص الجانب السلبي منها حركة حماس والحكومة الفلسطينية التي تستند إلى الشرعية الانتخابية , بينما كل ما هو ايجابي ويتحدث عن ازدياد في الشعبية وتأييد للخط السياسي والبرامجي نجده بحول الله من نصيب فتح والرئيس عباس.
 
ففي استطلاعين للرأي تم نشرهما في جريدة القدس المحلية الأول بتاريخ 19 \ 9 \ 2006 وقد أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة , حيث جاء في هذا الاستطلاع أن 55 % يؤيدون الرئيس عباس بينما أن 54 % غير راضين عن أداء الحكومة , وأنه فيما يتعلق بأداء الحكومة بمعالجة الملف الاقتصادي مثل الرواتب والفقر فإن نسبة عدم الرضا عنه وصلت إلى 69 % ونسبة الرضا 26 % .
 
يتحدث الاستطلاع أيضا حول أن نسبة الذين سيصوتون لحماس لو جرت انتخابات جديدة اليوم ستبقى ثابتة على ما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر 38 % مقابل 39 % في حزيران السابق أما شعبية حركة فتح فسترتفع بشكل ضئيل من 39 % إلى 41 % خلال نفس الفترة , وتحصل الفصائل والمجموعات السياسية الأخرى مجتمعة على 9%.
 
المفارقة العجيبة في هذا الاستطلاع انه يتحدث عن أن نسبة 67 % لا تعتقد أن على حماس القبول بشرط الاعتراف بإسرائيل الذي تفرضه الدول المانحة فيما ترى نسبة من 30% فقط أن عليها القبول بذلك في مقابل أن الاستطلاع نفسه يتحدث عن أن 54 % من العينات المستطلعة لا ترضى عن أداء الحكومة الاقتصادي , فكيف بربكم يسمح إنسان لنفسه أخلاقيا أن يكيل الاتهام لآخر حول وضع معين سببه هو موقف اتخذه هذا الإنسان المتهم وفي الوقت ذاته يطلب منه عدم تغيير الموقف الذي يستند إليه ؟!
 
فالحكومة الفلسطينية كما يعرف الجميع أنها محاصرة اقتصاديا وسياسيا بسبب عدم قبولها بالشروط الأمريكية والإسرائيلية التي تتعلق بالاعتراف بالأخيرة وبتجريم المقاومة والاعتراف باتفاقيات التنازلات والانبطاح , إذن سبب الحصار هو التمسك بالثوابت فإما أن يتم التنازل عنها وبالتالي تأتي الأموال الأمريكية والغربية وما لنا عند الصهاينة من أموال محجوزة , أو أن نبقى عند ثوابتنا مهما كان الثمن , ولذلك أرى أن في هذا الاستطلاع نوعا فاضحا من التناقض هذا بالإضافة إلى الكثير من المعطيات التي تشي بأن هذا الاستطلاع فتحاوي ومن زلم الرئيس عباس .
 
أما الاستطلاع الآخر الذي أجرته جامعة بيرزيت والمنشور في جريدة القديس أيضا بتاريخ 21 \ 9 \ 2006 , فهو أيضا- بحول الله- يتحدث عن أن نسبة 60% من المستطلعين مع حل المجلس التشريعي و66 % مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية , 57 % يؤيدون الإضراب 43 لا يؤيدون الإضراب , 31ر% يؤيدون حماس 35 % يؤيدون فتح .
 
44% من المستطلعين الشباب بأن لديهم الرغبة في الهجرة في حال توفر فرصة لذلك , كما عبر 55% من الشباب الذكور عن رغبتهم بالهجرة , أي إحباط هذا الذي يزرعون , أين إرادة الصمود والصبر أم أننا متسولون لا نصبر كثيرا عن انقطاع أموال الابتزاز الغربي والأمريكي, هل يعقل أن دماء آلاف الشهداء والجرحى كانت من اجل الحصول على لقمة العيش المرهونة بيد أمريكا وإسرائيل والغرب والتي كرسها إبطال السلام في اتفاقياتهم المذلة .
 
مرة أخرى مع بعض معطيات هذا الاستطلاع لنرى مدى فئويته وتحزبه لفريق أوسلو المفرط .
 
يذكر الاستطلاع أن 55% من المستطلعين يرون بان دور الأحزاب السياسية والمجلس التشريعي والحكومة سلبي , ووجه نحو 44 % من المستطلعين نقدهم لحماس إزاء الأزمة الحالية , في حين أن 40 % وجهوا نقدهم لحركة فتح لذات السبب ,أنا لا أريد هنا أن أدخل في ذكر من يشارك في الحصار الأمريكي والإسرائيلي على حكومة الشعب الفلسطيني , ولكن معي هذه المفارقة العجيبة حيث يقول الاستطلاع أن أغلبية ساحقة من المستطلعين 95 % وجهت انتقادها لكل من إسرائيل والولايات المتحدة إزاء الأزمة الحالية , فيما وصلت نسبة المنتقدين للأمم المتحدة نحو 68 % , فإذا كان المستطلعون يرون أن سبب المشكلة هو الحصار الصهيو – أمريكي , وموقف الأمم المتحدة المتماهي مع هذا الحلف , وهذا الانتقاد يعني أن الحصار باطل وأن الذين يقومون به هم على باطل وبالتالي هم من يتحملون المسؤولية , فكيف جئتم بهذه النسب العالية التي تدين حماس وحكومتها ونهجها ؟!!
يتحدث الاستطلاع بأن 60 % من المستطلعين يرون بأن تطبيق حماس لبرنامجها بالضعيف, 57 % لا يقدرون على شرح برنامج حماس الانتخابي, 57 % إضراب الموظفين والمعلمين, 54 % من المستطلعين يرون أن أداء الحكومة سلبي, 55 % من المستطلعين يرون انه لابد أن يكون أعضاء الحكومة الجديدة من خارج المجلس التشريعي , 62 % يدعمون عباس في اختيار رئيس وزراء مستقل , 55 % يدعمون عباس في حال تشكيله لحكومة من المستقلين , نسبة ثبات شعبية فتح استقرت عند 42 % بينما انخفض الدعم لحركة حماس بالتأكيد استنادا للاستطلاع إلى 37% , أما بالنسبة للاعتراف بإسرائيل فيتحدث الاستطلاع عن دعم المستطلعين لاعتراف حركة حماس بنسبة تصل إلى 52 %, وكذلك الأمر عن معارضة المستطلعين لاعتراف حماس بإسرائيل في الوقت الحالي بنسبة 69 % .
وهكذا نجد أن الاستطلاعين اللذين أمامنا يتحدان في عرض الصورة السلبية لواقع حركة حماس وشعبيتها في الشارع الفلسطيني, فهذه الاستطلاعات تعكس بشكل واضح موقف قيادات فتح وتيار الحل الفلسطيني وكأن ما ورد فيها يمثل ما يريده السيد نبيل عمرو حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من التكنوقراط أو الخبراء المستقلين وكذلك الموقف من إعطاء عباس صلاحية تشكيل الحكومة وجعل رئيسها مستقل فهذا الموقف يريده وبشدة زعماء وأمراء الفساد الفلسطيني للالتفاف على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وأيضا هو ما تريده نظم العار والتآمر العربية التي لا اعرف لماذا لا يعجبها السيد إسماعيل هنية وكذلك بالنسبة للموقف من حل الحكومة الفلسطينية وإجراء انتخابات مبكرة حيث أن هذا الاستطلاع يزعم أن العينة المستطلعة تدعمه بنسبة 60% وطبعا هذا الأمر الأخير يتشوق إليه السيد عزام الأحمد ووكيل وزارة المالية المعين من قبل عباس السيد زياد أبو العين حيث إن هذين يريان أن الحكومة الفلسطينية إرهابية وبالتالي لا بد من إسقاطها, هذا بالضبط هو واقع حال مراكز فحص الرأي لدينا وكذلك ما يسمى بوسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية, ليت هذه المراكز والوسائل تعمل لصالح حركة فتح من المنظور الوطني الفلسطيني, فعندها يمكن للمرء أن يتغاضى عن الأمور الحزبية والفئوية, ولكنها وللأسف تعمل من حيث تدري أو لا تدري لصالح العدو الصهيوني ولصالح راعية الإرهاب الدولي الولايات المتحدة, لان الذي تروج له هذه المراكز والمؤسسات ليس لقاؤه سوى مصالح زعران ومراهقي أوسلو التافهة والوضيعة, أفلا تتقي هذه المؤسسات الله وحرمة الوطن وحرمة انتهاك الموضوعية العلمية التي تتشدق باسمها وبصيتها.
 
لان المقام لا يتسع لذكر كل معطيات هذا الاستطلاع المتناقض نكتفي بهذا القدر منه, وبإمكان القارىء الكريم أن يعود إليه ولغيره ليعلم أن هذه الاستطلاعات وللأسف هي جزء من المؤامرة على الجهة التي انتخبها الشعب الفلسطيني ديمقراطيا, فكل المعطيات المذكورة يظهر منها رائحة أن هذا الاستطلاع وغيره مكرس لخدمة جهة بعينها.
 
أنا لا استغرب أن تطل علينا استطلاعاتنا المتناهية الدقة في المستقبل لتقول إن السيد ياسر عبد ربه قد ارتفعت شعبيته وازداد الذين يؤيدون خطه نحو المزيد من التفريط والتنازل, أو أن يطل علينا استطلاع في قادم الأيام ليقول إن الذين يؤيدون حجب الثقة عن وزير الداخلية سعيد صيام تجاوزت أل 70% وان الذين يرون أن الفلتان الأمني ازداد في عهده قد وصلوا إلى نسبة 90 %, بينما كانت في عهد الأغر دحلان اقل من ذلك بكثير وعلى ذلك أكد عدد كبير من المستطلعين.
 
ماذا بإمكان المرء أن يقول في هذه الأيام سوى: إنَّ الباطل يحشد أذنابه, وأن هؤلاء لم يعد يعملون سرا, بل إن الخيانة أصبحت وجهة نظر تنظيرا وعملا.
 
23 – 9 – 2006

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات