الخميس 28/مارس/2024

الضباع وإضراب الجياع!

د.إبراهيم حمّامي

من شاهد مظاهر الزعرنة والبلطجة التي قامت بها مجموعة محسوبة على قوى الأمن في غزة يوم أمس يدرك حجم المأساة الأخلاقية التي يعيشها البعض ومن يحركهم، هتافات ساقطة أخلاقياً، تدمير، إطلاق رصاص واقتحام لمقر التشريعي وأخيراً مهاجمة كل شيء حتى الشعب الفلسطيني الذي أصبح بنظر هؤلاء الغوغاء من أشباه الرجال لا يستحق الحياة.

الأجهزة الأمنية في كل أنحاء العالم لا تتدخل في الصراعات السياسية ولا تتظاهر ولا تطلق النار على المؤسسات الوطنية ولا تهاجم الحكومة ولا تسب على شعبها، أما أجهزتنا الأمنية فلها الحق كل الحق في أن تفعل ما تريد وأن تعيث في الأرض فساداً، كيف لا وقد تربت لسنوات على العربدة والبلطجة والزعرنة وتحول كل جهاز إلى أجهزة أمن خاصة تدين بالولاء لزعيمها صاحب المال والحظوة.

أجدني أتفق مع وصف الكاتب والصحفي حسام جحجوح حين قال: “خرج هؤلاء في  مشهد لا يليق إلا بأمثالهم ومشهد أساء إلى الشعب الفلسطيني المناضل المكافح الذي عهدناه يقاوم بيد الاحتلال وبيد الأخرى يكافح الفساد والمفسدين، فئة ضالة تائهة خرجت لتلبي مصلحة شخصيات منتفعة في هذا الوطن والتي لا تعيش إلا على الفساد والخراب والانشقاقات بين صفوف الشعب، لم نر من قبل في أي دولة عربية أو أجنبية ديمقراطية أو دكتاتورية أن تخرج قوات أمن لتكون سبب الفوضى في الوطن، فدور قوات الأمن كما هو متعارف عليه أن تحفظ الأمن وأن تسير المسيرات السلمية بطريقة لائقة، عجبا أن نرى اليوم هذه القوات هي التي تصنع الفوضى والفلتان وللأسف الشديد وبشكل غير لائق وبكلمات تتعذر عن ذكرها بسبب قبحها.

إضراب الجياع المسيس الفاشل تحوَّل على أيدي هؤلاء إلى فوضى وهمجية الضباع، نعم الضباع التي لا تعتاش إلا على ما يتركه الغير دون أن تتعب نفسها في الحصول على الطرائد، وهذا هو حال هؤلاء ممن يعتاشون على ظهر الشعب الفلسطيني دون تقديم أيّ شيء يذكر، فهم عاجزون عن حماية الشعب ولا يجيدون إلا فك سراويلهم أمام المحتل لتظهر ملابسهم الداخلية بالألوان، ثم وبعد ذهاب المحتل يستأسدون على الشعب، ويخرجون ليعربدوا ويطلقوا النار في الهواء وعلى عباد الله.

لقد بلغت درجة انحطاط هؤلاء حداً لا يوصف، فبدؤوا بالتفاخر بمخازيهم وأعمالهم القذرة التي قاموا بها في تسعينيات القرن الماضي ليهتفوا بحياة “القنية” رمز التعذيب الذي مارسته الأجهزة القمعية في غزة بقيادة دحلان وموسى عرفات وغازي الجبالي وغيرهم من رموز الإجرام والتعذيب والقتل في ذلك الوقت، وهو بالتأكيد ودون شك ما لا يعكس رأي أغلبية أبناء الأجهزة الأمنية، ولا يعكس أخلاقيات شعبنا الفلسطيني.

يقول رجل الأعمال عبد الكريم درويش رئيس حزب النور الفلسطيني: “إننا نأمل من إخواننا العسكريين وضع حد للقلة القليلة التي حاولت بجهل أن تحرف مسيرة العسكريين عن أهدافها المشروعة، وأن تشوه نضال الموظفين من أجل حياة كريمة، فالشعارات التي رددها البعض مرفوضة جملة وتفصيلاً وتشوه أجهزة الأمن الفلسطينية وتزرع فتنة ونحن أحوج ما نكون للوحدة الوطنية، وتضافر الجهود والطاقات الفلسطينية وعلى رأسها فتح وحماس كي يخرج شعبنا من هذه الأزمة وأن نضغط على الدول التي تفرض الحصار على شعبنا، بدل إشعال نار فتنة داخلية بشعارات لا أساس لها من الواقع“.

بالتأكيد ليست كل أجهزة الأمن هي كهذه الفئة المأجورة الساقطة أخلاقياً، ولا يمكن تعميم هذا السقوط على 78 ألف عنصر أمني، لكن وبكل تأكيد لا نحتاج لهذا الكم الهائل من البطالة المقنعة تحت مسمى الأجهزة الأمنية والتي تستنزف نصف ميزانية الرواتب، وعلى أي برنامج حكومي توجيه هؤلاء للعمل الإنتاجي في الزراعة والصناعة ورصف الطرق وتنظيف المدن والبناء وغيرها من الأعمال الشريفة المفيدة بدلاً من تدخين السجائر ليل نهار وإطلاق الرصاص في الهواء.

قد يعتبر البعض هذا الكلام قاسياً، ويبدأ البعض الآخر بترديد إحصائيات عن عدد شهداء الأجهزة الأمنية وتضحياتها، ودون إنكار لذلك ومع الدعاء أن يتقبلهم الله سبحانه وتعالى شهداء، أقول: إن من ارتقى للعلا من أبطال وشرفاء أبناء الأجهزة الأمنية – وهم كثر- فعل ذلك بشكل فردي ودون أوامر من القيادات، بل كان البعض ممن واجه المحتل يعاقب لأنه فعل ذلك دون أوامر، لكن غالبية الوقت كانت الآلاف المؤلفة من العناصر الأمنية تقف موقف المتفرج مما يجري، ولا يوجد أفضل من مثال اجتياح رام الله في 29/03/2002 بسيارتي جيب بداية وقد كان في رام الله وبحسب تصريحات مروان البرغوثي 6000 عنصر أمني منهم 2000 ضابط لم يطلقوا طلقة واحدة للدفاع عن مدينتهم ورئيسهم الذي حوصر في مقاطعته.

لا يحتاج شعبنا لهكذا غوغاء لينشروا الفوضى والفلتان وهم من يفترض فيهم حفظ الأمن، ولا عجب أن يكون هذا حال البلاد والعباد في وجود الأوغاد، ولا عجب أيضاً أن يرفض هؤلاء أوامر قياداتهم سواء عباس أو صيام ويأتمروا بأوامر الطابور الخامس من أذناب وعملاء الاحتلال، فأمثالهم اعتادوا أن يكونوا مرتزقة لمن يدفع أكثر ولا ولاء لهم إلا للمال، ولا حياة لهم إلا كالضباع.

ما يحتاجه شعبنا هو جهاز شرطة من عدة آلاف فقط لحفظ النظام والقانون، أما باقي الأجهزة من حرس رئاسي لا يفلح إلا بأخذ الرشاوى على معبر رفح، وأمن وقائي لا هم له إلا حماية المحتل والتجسس لصالحه ضد شعبنا وباقي الأجهزة فهي عبء كامل على شعبنا.

غالبية أبناء شعبنا في الأجهزة الأمنية ليسوا غرباء وليسوا من أمثال هؤلاء الغوغاء، ولهذا من خرج بالأمس كانوا بضع مئات من الهمج والهمل، أما غالبية أبناء الأجهزة الأمنية فقد رفضوا المشاركة في جريمة الضباع، ولا نطالب هنا بتسريحهم ليهيموا في الشوارع، لكن بتوجيه طاقاتهم وقدراتهم نحو الإنتاج لبناء هذا المجتمع، بدلاً من الدور الذي بات في مجمله مخزياً دون إرادة منهم، فتارة يتخلى عنهم كما حدث في سجن أريحا، وتارة تطلق عليهم النيران ليسقطوا وهم في ثكناتهم دون حتى فرصة الدفاع عن أنفسهم، وتارة ثالثة يشوههم أمثال من خرجوا بالأمس بأوامر أذناب الاحتلال، فيضيع الصالح بفعل الطالح.

من خرجوا بالأمس خرجوا باسم تنظيم بعينه، وعلى هذا التنظيم التبرؤ من أفعال وجرائم هؤلاء، وعلى العدالة أن تأخذ مجراها لمقاضاة كل من شارك في جريمة تشويه صورة الشعب الفلسطيني بالأمس، هم ومن حرَّضهم ودفع بهم للقيام بأعمالهم القذرة، ليكونوا عبرة لمن يعتبر، وفي هذا الشأن أستعير فقرات مما كتبه صادق المحمدي ليقول: “المسيرة التي حاول في البداية أحد منظميها عبثا أن يجعلها (حضارية كما قال) عاد هو شخصيا وبدأ كيل الاتهامات جزافاً لكل شخص ينتمي إلى الحكومة أو حركة حماس، الأمر الذي يجعلني أذكر الجميع أن الرايات التي رفعت في المسيرة هي رايات حركة فتح والهتافات هي لفتح والأغاني التي أطلقت فيها هي أغاني حركة فتح والعصابات التي وضعت على رؤوس البعض هي عصابات فتح ما يضع على فتح مسؤولية كبيرة إما التبرؤ من هؤلاء وأفعالهم أو الاعتراف رسمياً أن فتح وراء الإضرابات وعرقلة عمل الحكومة وتمارس حصاراً داخلياً عليها” ويضيف: “الجهة التي يفترض أن توفر الأمن للوطن والمواطن، تقوم بالاعتداء على المؤسسة التشريعية الفلسطينية وتعيث فيها خراباً وفساداً والحمد لله أن المهاجمين ليسوا من القوة التنفيذية لكنا شاهدنا زعماء الفضائيات والصحافة قد أمطرونا بعشرات البيانات والتصريحات ضد القوة التنفيذية وعدم شرعيتها وكيف تطلق النار وهذا مجلس تشريعي ويمارسون الإرهاب على أبناء شعبنا وما إلى ذلك من العبارات المنمقة أما الآن فلا أحد يتحدث وكأن على رؤوسهم الطير السياسيين والمثقفين وأيضا الصحفيين الذين تعرض عدد منهم للتهديد والوعيد ومنع التصوير خلال هجوم عناصر الأمن على التشريعي، على أية حال أمثال هؤلاء سيجدون من يدفع لهم ثمن الرصاصات طالما أن المستهدف منها هو المجلس التشريعي المحسوب على حماس الآن، أمثال عناصر الأمن هؤلاء لا يليق أن تكون تابعيتهم لحكومة فلسطينية نظيفة اليد، بل يجب أن تبقى تابعيتهم بيد مجموعة من الفاسدين المفسدين المختلسين من مصاصي دماء شعبنا “.

شعبنا أنظف وأطهر من أن تشوهه فئة مأجورة جبانة حاقدة، والأجهزة الأمنية ليست كلها من أمثال ضباع الأمس من الأوغاد والغوغاء، ومع احترام حق الجميع في التعبير السلمي والاحتجاج بالتظاهر والاعتصام والإضراب، إلا أن التلاعب بقوت البشر، وتسييس المعاناة وتوجيهها نحو الهدف الخاطيء لأهداف لا تخفى على أحد هو أمر مرفوض، وعلى الجميع التفكير أكثر من مرة قبل الانزلاق في مخططات هؤلاء لتجهيل شعبنا ونشر الأمراض عبر تعطيل التعليم ومنع التطعيم !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات