الجمعة 29/مارس/2024

الأذرع الصهيونية في بيت الرئاسة الأميركية

الأذرع الصهيونية في بيت الرئاسة الأميركية

إن المتتبع للسياسة الأميركية عبر عقود طويلة من الزمن وخصوصاً بدءاً من إدارة الرئيس الأميركي السابق ويلسون في سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها، مروراً بكافة الإدارات الأمريكية التي تلتها وإلى يومنا هذا، وسواء كانت تلك الإدارات ممثلة من الحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي وهي الأحزاب الرئيسية الكبرى التي تحكم وتدير الحياة السياسية للولايات المتحدة الأميركية.. يجد دون عناء أنَّ السياسة الأمريكية قد أضحت رهينة [المؤسسة الصهيونية العالمية]. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد زاوجت بين مصالحها الاستراتيجية في السيطرة على [مناطق النفوذ، ومنابع النفط] بعد الحرب العالمية الأولى، والحلول محل [الاستعمار القديم]، باتباع سياسة [ملء الفراغ]، ومصالح المؤسسة الصهيونية العالمية الرامية إلى قيام [كيان صهيوني يهودي في فلسطين] آنذاك.. فإنها في فترة ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي في العقد الأخير من القرن العشرين وحتى تاريخه قد وضعت المصالح الصهيونية وكيانها الصهيوني الذي أعطته [صك ميلاده] عام 1948م، على رأس أجندتها، وباتت لا ترى مصالحها إلاَّ من خلال الأجندة الصهيونية والدوائر الصهيونية المتنفذة، وعلى حساب الأمن القومي الأمريكي ومصالح وحقوق الشعب الأمريكي نفسه الذي أرهقته الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالضرائب لحساب الكيان الصهيوني، وحروب الكيان الصهيوني.. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أضحت تقامر، وتغامر بجيوشها وبدماء أبنائها من الأمريكيين في حروب طاحنة لا لحسابها، بل لحساب [المؤسسة الصهيونية] وكيانها الصهيوني كما هو واقع حربها المجنونة التي تدور رحاها في العراق طوال ثلاث سنوات والتي قد يتطاير لهيبها، ويتسع ليطال دولاً أخرى قريبة وبعيدة خدمةً [للدوائر الصهيونية] ومشروعها [التوراتي]؛ أو [الشرق أوسطي الصغير أو الجديد/المشروع الشرق أوسطي الكبير للرئيس بوش الابن].‏

إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أضحت تعجُّ بحشدٍ كبير من المتنفذين اليهود الصهاينة الذي أصبحوا في مواقع مفصلية في كافة مرافق الحكومة الأمريكية، والاقتصاد الأمريكي والمؤسسة العسكرية الأمريكية، وفي مواقع السلطة والقرار في البيت الأبيض الأمريكي؛ أو على الأقل في مواقع [التأثير] على من يمسكون بالسلطة والقرار.. لدرجة أنَّ [الكيان الصهيوني] قد أضحى في نظر الكثير من الباحثين في العالم قوة عظمى مؤثرة في مجريات الأحداث في العالم، و[دولةً عظمى] تملك حق النقض [الفيتو] تشارك فيه [الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها]، والذي لا تستخدمه أصلاً إلاَّ لحساب ذلك الكيان وحروبه!‏

.. وإذا كانت فترة ما بعد الحرب الباردة قد أفرزت هيمنة أمريكية شبه مطلقة على الساحة العالمية، إثر انحسار وتفكك المنظومة الاشتراكية في أوروبة الشرقية وانكشاف العالم ساحة مفتوحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى باغية؛ وإذا كانت المؤسسة الصهيونية [بأذرعها المتشعبة] المالية والسياسية والدينية، والإعلامية والفنية لها اليد الطولى في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنَّ التواجد الأمريكي المتعاظم على الساحة العالمية قد أضحى تواجداً ونفوذاً صهيونياً صرفاً أو شبه مطلق ولكن فقط تحت [العلم الأمريكي]؛ أي أن أمريكا أصبحت تحكم العالم بالوكالة، لحساب [المؤسسة الصهيونية] ومشروعها الصهيوني!‏

على أنَّ الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية محكومةً، وتحت قبضة المؤسسة الصهيونية وسيطرة نفوذها اليهودي، لدرجة أنها أصبحت شبه فاقدةٍ لاستقلالها الوطني وإرادتها السيادية من الناحية الواقعية، هي كثيرة ومتشابكة بعضها مع بعض، وإن كان أهمها يمكن إجماله بسيطرة اللوبي اليهودي المنظَّم، وتأثير وتنامي دور الكنيسة المسيحية الأمريكية التي شهدت تغلغل العناصر والمذاهب اليهودية فيها وأنتجت ما أصبح يعرف بـ [المسيحية الصهيونية]، و[المحافظين الجُدد]، ووجود شبكة واسعة ومعقَّدة من [المحافل الماسونية] الأمريكية التي تسيطر على الحياة السياسية الأمريكية، ويتخرَّج من صفوفها الحكَّام والرؤساء وأصحاب النفوذ والإدارة الذين يمسكون بمواقع السلطة والقرار بدءاً من البيت الأبيض الأمريكي.. إلى وزارة الدفاع والبنتاغون، والمخابرات المركزية والفيدرالية وبيوتات المال والأعمال.‏

أولاً”: دور اللوبي اليهودي وتأثيره في الحياة العامة الأمريكية:‏

لقد كان عدد اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية لا يتجاوز ستمائة ألف يهودي غداة اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881م. وإثر اغتيال القيصر وانكشاف دور اليهود وضلوعهم في عملية الاغتيال شهدت روسيا وعموم أوربة حملة ملاحقة وكراهية واسعة تجاه اليهود عامة، وهو ما عُرِف آنذاك بانتشار موجة (اللاسامية)، مما دفع بمئات الآلاف من اليهود إلى الهجرة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية هرباً من الكراهية، وطمعاً في التجارة في العالم الجديد، وبلغ عددهم عام 1903م الأربعة ملايين نسمة، ويناهز عددهم حالياً الستة ملايين يهودي أي نحو 3% من إجمالي سكان الولايات المتحدة الأمريكية.‏

بينما يشكلون (أي اليهود) نحو 14% من تعداد الموظفين العامين في إدارات الدولة والحكومة والمرافق العامة الأمريكية أي بما يفوق أربعة إضعاف حجم نسبتهم السكانية في البلاد.‏

ويتصف اليهود بتنظيمهم وتجمعاتهم وحرصهم على التكتل والمشاركة كقوة مؤثرة في الحياة العامة الأمريكية.‏

وإذا كان الأمريكيون عامة لا تزيد مشاركتهم عن الـ 50% من مجمل المؤهَّلين للمشاركة في الانتخابات العامة، فإنَّ اليهود من الأمريكيين يشاركون بنحو مائة بالمائة من تعدادهم المؤهل للمشاركة.. ويقطن 40% من اليهود أي بنحو 2.5 مليون يهودي في مدينة نيويورك (العاصمة التجارية والمالية لأمريكا).‏

ويشكل الناخبون اليهود نحو 12% من مجموع الناخبين في ولاية نيويورك، ما جعلهم قوة جذب مؤثرة يحسب حسابها. ويشكل اليهود حسب معطيات (إيكونوميست الروسية العدد 15 لعام 1980م). نسبة 20% من أساتذة الجامعات الأمريكية ونسبة 20% من تعداد المحامين العامين، و10% من مجموع الأطباء الأمريكيين وأنهم موجودون ويسيطرون بكثافة على الحياة المصرفية والمعيشية والتجارية والبورصة في البلاد، وهم في مواقع مؤثرة ومفصلية في الصناعات الثقيلة والنفطية، والفضائية والإلكترونية والحربية.. وتقع تحت إدارتهم المباشرة وبرؤوس أموالهم كبريات الشركات الأمريكية مثل شركة لوكهيد إيركرافت الجوية للإنتاج الحربي والطيران المدني، والمعدات الإلكترونية، وشركة جنرال واين إفلس للإنتاج الحربي التي تقوم بتلبية حاجات البنتاغون من الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات، والغواصات النووية، وشركة (جنرال موتورز) وشيفرليت.. وبيوتات مال أسرة (روكفيلر). بالإضافة إلى سيطرة يهودية شبه كاملة على وسائل الإعلام والاتصالات والتلفزة والصحافة والفن والسينما.. وخصوصاً محطات التلفزة أي بي سي، وسي بي إس، وإن بي اس وصحيفة نيويورك تايمز، ونيويورك بوست، والواشنطن بوست وغيرها كثير.‏

وقد شكل اليهود الأمريكيون بما يملكون من رؤوس أموال مؤثرة، ووجود مكثف في الحياة الاقتصادية والإعلامية الأمريكية وفي مواقع مفصلية في الحياة السياسية العامة شكَّلوا مجموعات ضغط فاعلة على مجمل السياسية الأمريكية وهو ما أصبح يعرف بـ اللوبي اليهودي الأمريكي.‏

تُعرِّفُ الموسوعة البريطانية كلمة (اللوبي) بأنها مجموعة من الأشخاص النشطاء، الذين لهم مصالح خاصة، ويمارسون الضغوطات على الموظفين العامين خصوصاً المشرِّعين، بغية التأثير فيهم لاتخاذ قرارات تصبُّ في حسابهم.‏

وبموجب القانون الأمريكي لعام 1946م الذي أعطى الحق للجماعات المختلفة السكانية في تشكيل مجموعات ضغط بهدف حماية مصالحها، فقد أسَّس اليهود منظمة (إيباك ـ AIBAC) للشؤون والعلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية عام 1959م، وتم تسجيلها آنذاك لدى وزارة العدل الأمريكية باسم مؤسسها سي كنن، واعتبر آنذاك وكيلاً لدولة أجنبية (لإسرائيل).‏

وتعمل إيباك مع كل من مجلس الاتحاد الفيدرالي اليهودي، والمؤتمر اليهودي العالمي والمنظمات الصهيونية الأمريكية، ومنظمة بناي بريث (وهي منظمة فوق ماسونية) لحساب الكيان الصهيوني. وتحرص [إيباك] على أن يحضر ممثل عنها كافة الاجتماعات والجلسات المفتوحة في مجلس الشيوخ والنواب في الكونجرس الأمريكي، والاتصال مع كافة الأعضاء والموظفين في الكونجرس وتقديم خدمات، ومكافآت وزيارات سياحية لهم إلى الكيان الصهيوني بغية التأثير فيهم واستمالتهم باتخاذ مواقف وقرارات داعمة بالمطلق في كل ما يتعلق بالكيان الصهيوني.‏

وهذا ما دفع بإسحاق رابين عندما كان سفيراً للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة إلى القول: [إنّ ارتباط الشعب الأمريكي وإدارته بإسرائيل يفوق بكثير حجم ووزن الجالية اليهودية في أمريكا](1).‏

لقد تزايد النفوذ الصهيوني في أمريكا حتى أصبح على مقدرة من إزالة كل من يعترض طريقه في الساحة السياسية. إذ أعلن الجنرال جورج براون رئيس أركان الجيش الأمريكي في مؤتمر صحفي في جامعة ديوك في مدينة داريم عام 1974م بقوله:‏

[إنَّ إسرائيل استخدمت في حربها الأخيرة عام 1973م معظم ما لدى حلف الأطلسي من احتياطي الأسلحة المخزونة في القواعد الأوربية.‏

إنَّ اللوبي اليهودي في الكونجرس قوي لدرجة يصعب تصديقها. فالإسرائيليون يأتون إلينا في البنتاغون طلباً للسلاح، وحين نخبرهم بأننا نريد موافقة الكونجرس أولاً، يجيبون على الفور: لا تقلقوا بشأن الكونجرس نحن نتكفَّل بأمره].‏

(المصدر مجلة ايكونوميست الروسية العدد 15 لعام 1980م للباحث بانا موروبوف) ففي عام 1984م وافق الكونجرس الأمريكي – بتأثير اللوبي اليهودي- على رفع كل القيود عن التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني، وفي عام 1986م اتخذ قراراً بإعفاء المواطن الأمريكي من ضريبة الدخل في حال قيامه بالتبرع سنوياً لصندوق الجباية اليهودي الأمريكي بمبلغ ألف دولار. والكونجرس الأمريكي- بتأثير اللوبي اليهودي- اتخذ قراره بصورة شبه إجماعية يوم 14 تشرين الأول لعام 2004م بتكليف وزارة الخارجية الأمريكية بإصدار تقرير سنوي لمراقبة ورصد كافة الأنشطة المعادية (للسامية ـ أي لليهود) في العالم، يحمل اسم قانون (مراقبة اللا سامية) وإنشاء مكتب متخصص (على مستوى إدارة) لدى وزارة الخارجية الأمريكية بمهمة القيام بجمع المعلومات حول الأشخاص والحكومات والصحافة ذات الأنشطة المعادية للسامية (أي المعادية للصهيونية).‏

وبتأثير من اللوبي اليهودي في الكونجرس فرضت الإدارة الأمريكية على هيئة الأمم المتحدة عام 1991م (إثر حرب الخليج الثانية) إلغاء القرار الدولي الشهير الصادر عن الجمعية العامة لعام 1975م الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية.. وفي العام 2005م استصدرت الإدارة الأمريكية من مجلس الأمن قراراً بالإعلان عن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب ال

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات