الجمعة 19/أبريل/2024

اللغة والأدب في المناهج الإسرائيلية

اللغة والأدب في المناهج الإسرائيلية

أشرت في مقالي السابق إلى المنطلقات التي تبنى على هدي منها مناهج الدراسات الاجتماعية في “إسرائيل” لمراحل التعليم الابتدائي، وبيّنت من خلال اقتباسات من كتب التعليم الإسرائيلية عرضتها الدكتورة صفا محمود عبد العال في كتابها «تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية» أنّ هناك توجّها واضحاً وتخطيطاً مقصوداً نحو تربية أطفال اليهود على كراهية العرب واحتقارهم والتعامل معهم على أنهم أعداء وحشيون همجيون.

 

وأنّ هذا التوجّه يجد له في الفكر الصهيوني مبررات كثيرة، أهمها على الإطلاق حماية اليهود وتأكيد حقهم في الأرض وربطهم بها بحيث تصبح جزءاً من كيانهم ووجودهم وبقائهم.

وأود في هذا المقال أن أطلع القارئ على بعد آخر من الأبعاد التي يعدّها الإسرائيليون أساساً متيناً تبنى عليه مناهج التعليم عندهم، وهو بعد اللغة والأدب؛ فالتخطيط للتعليم عندهم يضع هذا البعد في مكان المركز والأساس الذي لا غنى عنه، ولا تقصير في شأنه. وهم في تأسيس مناهجهم يدركون ما للغة والأدب من تأثير عميق في صياغة فكر الناشئة وبناء عواطفهم وأفكارهم.

 

ويتعاملون مع اللغة على أنها الأداة الوحيدة القادرة على خلق جهاز تعليمي قوي يؤسس لثقافة عبرية موحِّدة لكل اليهود على الأرض، بحيث يصبح التكوين المعرفي للمتعلم منسجماً مع أهداف الصهيونية وغاياتها، فحتى «تصبح «إسرائيل» وقضاياها قسماً من حياتهم البيئية والعائلية، فلابد أن تكون هناك أداة رئيسية وأساسية لتحقيق مثل هذه الحياة الخاصة.

وهذه الأداة هي التعليم، وخاصة التعليم العبري، فإذا أصبحت اللغة العبرية لغة بيئية لمئات الألوف من البيوت فإن هذه البيوت ستصبح قواعد انطلاق لثورة ثقافية» تستند إلى تراث قادر على أن يجمع شتاتهم وفرقتهم.

 

ولبيان جانب من هذا الأمر أضع بين يدي القارئ نصاً من النصوص التعليمية التي تدعو إلى نبذ كل اللغات الأجنبية والتمسك باللغة العبرية، يقول النص « هناك مسألتان يقع على عاتقنا إنجازهما، ومن المتاح لنا تحقيقهما. أولهما: زيادة عدد اليهود في «إسرائيل»، وجعل اللغة العبرية هي لغة الشعب.

ومن ثم علينا شراء الأرض وما يجاورها تحفيزاً للعمل، ثانيهما: محو لغة الشعوب الأجنبية من أفواه مستوطني يهودا وأورشليم، وتعليمهم التحدث بالعبرية لكي تكون لغة واحدة لكل اليهود المستوطنين أرض «إسرائيل»، من أجل غرس حب وطنهم عن طريق تعلمها، إلى جانب غرس حب العمل في فلاحة الأرض».

 

أما الأدب وقصص الأطفال والناشئة فإنه موجه توجيها واضحاً نحو تربية الأطفال على الشعور بالتفوق والاستعلاء وكراهية العرب واحتقارهم والنظر إليهم على أنهم أوغاد جبناء؛ فمعظم القصص تدور حول البطل اليهودي الخارق ذي الصفات الأسطورية الذي أوتي من الشجاعة والقوّة ما يجعله قادراً على إلحاق الهزيمة ـ دائماً ـ بالعرب الأشرار الذين يحملون السلاح في أيديهم ولكنهم يحملون الهزيمة في قلوبهم.

وقد صرّح أحد أشهر الكتاب المتخصصين في أدب الأطفال الإسرائيلي ـ واسمه هازي لابين ـ بغاياته الشخصية من الكتابة للصغار التي تتناغم مع غايات الصهيونية بقوله: «كنت أسأل نفسي باستمرار ماذا يمكن أن أقرأ لو كنت طفلاً أعيش مثل هذا الواقع؟

 

نحن نعيش في زمن صراع مع العرب، نعيش فيما يمكن أن نطلق عليه حقول الدم. لهذا نجد أنّ من واجبنا أن نبتعد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والزهور أو زيت الزيتون النقي. إنّ هذا سيوقعنا في كارثة نحن في غنى عنها… هذا تضليل لا يمكن أن نسمح به، إنني أريد أن أخلق الجيل الذي ينتقم لي ويأخذ بثأري. وهذا الجيل هو مئات الآلاف من القراء الأطفال الذين يتهافتون على قراءة كتبي».

 

وأحب هنا أن أعرض على القارئ نموذجين من النصوص الأدبية التي تكتب للأطفال اليهود. النص الأول من قصة قصيرة بعنوان «المحارب القديم» ليوري إيفانز، وهي قصة محارب انشقت عنه الأرض فخرج منها توكيداً لمقولة أنّ فلسطين هي أرض “إسرائيل” وأن العرب هم الذين اغتصبوها. تبدأ القصة بهذا الحوار:

قالت لي الصغيرة: من الذي سرق القمر؟ قلت: العرب. قالت: ماذا يفعلون به؟ قلت: يعلقونه على جدران بيوتهم. قالت: ونحن؟

 

قلت: نحوله إلى مصابيح صغيرة تضيء أرض «إسرائيل» كلها.. منذ ذلك الوقت والصغيرة تحلم بالقمر، وتكره العرب لأنهم سرقوا حلمها وحلم آبائها وتكتمل القصة بخروج المحارب القديم الذي يقاتل العرب وينتصر عليهم ويعيد القمر، ولكنه يقتل على يد واحد منهم، ولكنّ الأميرة لم تبك «فقد تحقق حلمها، وأشرق القمر من جديد على أرض إسرائيل».

أما النص الثاني فهو قصيدة قصيرة بعنوان «حكاية» : زئيف طفل صغير/ لم يكبر بعد / عاش على هذه الأرض/ أحبها/ وحين حاصر الغزاة هذه المدينة/ مات/ كيف مات؟ /لا أحد يدري/هل مات من الجوع؟ /أم تحت التعذيب /برمح طائش؟ /أم تحت سنابك الخيل؟ /لا أحد يعرف/ لكن هل تريدون أن تموتوا مثل زئيف؟ /لا/ إذن صوبوا بنادقكم تجاه العرب.

 

هكذا يوظف الأدب عند اليهود لخدمة أغراضهم السياسية وأهدافهم التوسعية ومخططاتهم الصهيونية.

وعلى الرغم من أنّ الأدب، في التجربة الإنسانية على مدى التاريخ الإنساني الطويل، كان ولا يزال وسيلة الإنسان للدفاع عن الجمال والخير والقيم الإنسانية النبيلة، ونافذته للتمتع بالتجربة الإنسانية وسبر أغوارها والتعرف على أسرارها وآلامها وأفراحها، فإن تجربة الأدب الصهيوني هي التجربة التي شذت عن مسار الأدب الإنساني عبر تجاربه الطويلة الغنية.

 

وقد تكون الأولى من نوعها التي توظف الأدب للقيام بعمليات تضليل كبرى تربى عليها أجيال متعاقبة من اليهود معبأة بالكراهية والحقد واحتقار الآخر، مزودة بالأكاذيب والتاريخ المزور والأضاليل. فكيف يتوقع من مثل هؤلاء أن يفقهوا معنى السلام أو أن يحترموا متطلباته وشروطه؟

  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات