الجمعة 29/مارس/2024

محاربة اللاسامية : خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) (حول قانون عام 2004

محاربة اللاسامية : خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) (حول قانون عام 2004

“صدر عن دار القلم بدمشق كتاب بعنوان: (محاربة اللاسامية) ولأهمية هذا الكتاب الذي هو عبارة عن خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكي بوش، نقدمه مع ملحقيه لقرآئنا الأعزاء”:

فخامة الرئيس جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

تحية طيبة، وبعد:

لقد أصدرتم قانون (رصد ومحاربة معاداة السامية في العالم) مفصلاً في فقرات ست، قبل انتخابكم لولاية ثانية بأسبوعين فقط، في شهر (أكتوبر) من عام 2004م(1)، وطلبتم من وزارة الخارجية الأمريكية أن تؤسس لجنة باسم (لجنة رصد ومحاربة معاداة السامية في العالم) مهمتها أن تسجل كل نقد أو اتهام أو عيب لدولة إسرائيل خصوصاً، ولليهود عموماً في أنحاء العالم، وإصدار تقرير سنوي في هذا الموضوع يرفع إلى لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس، تمهيداً لإيقاع العقوبات التي يستحقها هؤلاء المتطاولون على اليهود، وعلى دولة إسرائيل!!.

إنكم قصدتم من إصدار قانونكم هذا محاربة مذهب (اللاسامية)(2) الذي يدعو إلى مقاومة اليهود، والذي أطل برأسه من جديد في عدد من الدول الغربية، والدول العربية والإسلامية، كما ورد ذلك في القانون المذكور.

ولقد صدر التقرير الأول عن اللجنة التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية المتابع لمعاداة السامية في 15/1/2005م، ولما يمض بعد على صدور قانونكم سنة واحدة تحت اسم (تقرير معاداة السامية) وللأسف كان في هذا التقرير من الأخطاء والمغالطات والتهويل ما فيه(3)!!.

ونحن معكم –فخامة الرئيس- في مقاومة (اللاسامية) التي تعني عداء اليهود بعامة، بسبب ومن دون سبب، فهذا عدوان وظلم لا نقبله، بل نأباه ونرفضه، وديننا الإسلامي قد علمنا أن العدل هو الأساس الذي يجب أن يسود في معاملة الناس كافة، وأن الظلم عاقبته وخيمة، وهو مدمر للحضارات، مفسد للعمران. ولقد نزلت تسع آيات بينات في السورة الرابعة من سور القرآن العظيم تدافع عن يهودي كان في زمن النبوة، واتهم باطلاً بالسرقة، فبرأته الآيات من هذه التهمة، ووبخت وهددت من انحرف عن الحق متظاهراً بالإسلام، وكان في حقيقته من المنافقين، كما وبخت الآيات أقاربه الذين ناصروه، واتهموا اليهودي البريء زوراً وبهتاناً(4)!!

نحن معكم –فخامة الرئيس- في مقاومة (اللاسامية) التي تعني عداء عامة اليهود، واعتبارهم مذنبين أو معتدين في كل زمان ومكان، ولسنا معكم مطلقاً في غض الطرف عما وقع من عدوان جمهور من اليهود على الدوام على قطاع كبير من البشرية منذ القديم، وغض الطرف عن عدوانهم الحديث على العرب والمسلمين، في اغتصابهم لفلسطين، وتشريدهم لقسم كبير من أهلها، وتقتيل الباقين منهم خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان!!.

فخامة الرئيس:

إن الأسباب التي حملت كثيراً من الشعوب – ولا سيما الشعوب النصرانية- على معاداة اليهود لا تخفى عليكم، وتكاد تتلخص في كلمتين اثنتين هما: (العدوان على الآخرين)، و (الادعاءات الفارغة والتطاول على الناس).

إنه العدوان الدائم الذي ما انفك أكثر اليهود يلحقونه بالناس، فهم من بداية أمرهم، ومن الوقت الذي كانوا يحملون فيه اسم (بني إسرائيل) اعتدوا على أخيهم (يوسف) عليه السلام وحاولوا قتله، فرموه في بئر موحشة، ومكروا به وبأبيهم (يعقوب) عليه السلام، لكن الله نجاه منهم، ورفع شأنه.

وعلى الرغم من أنهم عانوا الكثير في مصر فيما بعد من ظلم الفراعنة وبطشهم، إلا أنهم حين أورثوا الأرض المقدسة علوا على أهلها، وعاملوهم أسوأ معاملة، بل قهروهم، وأبادوا بعضهم، واليوم يعيدون الكرة مع سكان فلسطين العرب: من مسلمين ومسيحيين!!.

لقد امتد عدوانهم إلى أنبيائهم الكرام عليهم السلام، فكذبوا فريقاً منهم، وقتلوا الفريق الآخر. لقد سجل التاريخ كيدهم للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وطلبوا من الحاكم الروماني (بيلاطس) أن يقتله، ونادوه بأعلى أصواتهم: (اصلبه، اصلبه)(5). فلما تحرج من ذلك، قال لهم: أنا بريء من دم هذا الرجل!! أجابوه: (دمه علينا وعلى أولادنا)(6)!! وهذا ما جعل كثيراً من المسيحيين ينظرون إلى اليهود طيلة التاريخ على أنهم: (قتلة الرب المجرمون)!!.

ولم ينج من عدوان اليهود خاتم النبيين محمد عليه السلام، وعلى الرغم من أن فريقاً منهم هاجر من فلسطين بعد اضطهاد الرومان لهم، قاصداً بلاد العرب انتظاراً لبعثته عليه السلام، ثم استنصاراً به على المشركين من أهل يثرب، لكن هذا الفريق حين بعث محمد عليه السلام نبياً كفروا به، وعادوه، وحاولوا قتله!!.

ولم تكف جماهير من اليهود عدوانهم على من سواهم حتى بعد أن طردوا من فلسطين، وشتتوا في أنحاء المعمورة، وأصبحوا ضعافاً أقلة أمام شعوب الأرض، وأظنكم قد قرأتم تحذير أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية: (جورج واشنطن) – منذ ما يزيد على قرنين من الزمان – لمواطنيه الأمريكان من التشابك في المصالح مع اليهود، وذكرهم بأن هذا التشابك لا بد أن يقود إلى الخضوع التام لإرادتهم، وطلب من مواطنيه أن يعتبروهم وباء على المتجمع، لأنهم أشد الأعداء لرفاهية وسعادة أمريكا(7).

وما برح فريق من اليهود يتطاولون على سائر الناس بادعاءاتهم العريضة، ومزاعمهم المرفوضة، وأمانيهم الكاذبة، فهم تارة يزعمون أنهم (شعب الله المختار) على الرغم من أن الله قد رفضهم ولعنهم، وغضب عليهم لظلمهم، ونقضهم مواثيق الله وعهوده معهم. وهم –تارة أخرى- يزعمون أنهم (أبناء الله وأحباؤه)، على الرغم من أن الله قد سلط عليهم شعوباً كثيرة أذلتهم، وسامتهم الخسف والهوان، لما زاغوا عن شرائع الله المنزلة في التوراة، وعما جاءهم به الأنبياء من هداية السماء، وظهرت بينهم دعاوى أنهم سيدخلون الجنة وحدهم. وأنهم الذين سخر الله لهم سائر الناس ليمتطوهم، وكأنهم من دواب الأرض، وليأخذوا ما بأيديهم. وفي نصوص التلمود إشارات لذلك تؤيد هذه الدعاوى والمزاعم.

لقد قال لهم نبيهم (إرميا) قديماً: (لقد أكل سيفكم أنبياءكم) (8)!! وقال لهم المسيح عليه السلام مخاطباً يهود أورشليم: (يا أورشليم! يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء! يا راجمة المرسلين! كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة أفراخها ولم تريدوا)(9)!!.

إنهم قد استمرأوا العدوان على الآخرين، فكيف يرضى الآخرون بهم، إنهم لم يتركوا ادعاءاتهم ومزاعمهم، فكيف يثق بهم الآخرون وتصفو قلوبهم لهم؟!

فخامة الرئيس:

إن هذه (اللاسامية) التي أصدرتم قانونكم العتيد لمقاومتها ومحاربتها، والتي نشاركك الرأي في استنكارها وعدائها لم تظهر بادئ ذي بدء في تاريخ المسلمين ولا في أوطانهم، إنما وجدت في الأوطان المسيحية وعند الشعوب المسيحية، واستمرت عندهم من القرن الرابع الميلادي، حين تنصر الإمبراطور الروماني قسطنطين وأمه هيلانة، حتى النصف الأول من القرن العشرين إلى العهد النازي في ألمانيا.

إن الدول النصرانية هي التي أذاقت اليهود الويلات، وهي التي ذبحتهم، وفعلت بهم مثل ما فعله فرعون بهم قديماً، بل أكثر، وهي التي طردتهم، وأخذت أموالهم، واعتدت على أعراضهم، إن إنكلترا وفرنسا وأسبانيا هي من الدول التي صدرت فيها القرارات الملكية بطرد الهيود عموماً من بلادها خلال أيام قليلة!!.

إن المسلمين لم يعرفوا كراهية اليهود كعنصر، أو أصحاب دين، لذا فقد عاش اليهود في حواضر العالم الإسلامي الكبرى ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً في أمن وحرية، وحفظت أموالهم وأعراضهم، ولم يكرهوا على ترك عقائدهم وبيوت عباداتهم.

لقد تمتع اليهود في دمشق وبغداد وصنعاء والقاهرة والجزائر ومراكش، وفي العهد الإسلامي في أسبانيا بالحرية الواسعة، وبالوضع الاجتماعي الجيد، ووصلوا إلى الوزارات، وملكوا من الأموال والتجارات والشركات ما أصبحوا به سادة أقوياء، وعوملوا أحسن معاملة، ونالوا قسطاً وافراً من الأمان والطمأنينة.

إن أكبر فلاسفة اليهود في العصر الوسيط: (موسى بن ميمون) يعتبر أن أحد أسباب نبوغه هو وجوده في بيئة إسلامية، منحته حرية التفكير والإبداع، وأنه لو كان تعرض لنفس ظروف أقرانه الموجودين في الغرب، لعاش ومات مثلهم داخل (جيتو) منعزل(10)!!.

فاللاسامية بمنعى عداء اليهود لم يبتدعها المسلمون أبداً، إنها بضاعة غربية مسيحية، عانى منها اليهود طويلاً، وتحملوا من جرائها البلاء الشديد، كان أقله (الجيتو) الذي حبسوا أنفسهم بين جدرانه في كل مدينة أوروبية.

ومع أن العالم الإسلامي قد أحسن معاملة اليهود مدة طويلة، وقروناً عدة، إلا أنهم جحدوا صنيع المسلمين، وانتقموا منهم أبلغ انتقام، وطعنوا هذه الأمة في الصميم، وفعلوا بها جريمتهم الكبرى –جريمة العصر- حين احتلوا جزءاً غالياً من وطنها هو فلسطين، وأقاموا فيها دولة إسرائيل، تلك الدولة الباغية المعتدية التي تعتبر في نظر كل مسلم دولة معتدية مغتصبة(11).

لقد كان الشعب العربي الفلسطيني المتضرر الأول من استغلال اليهود لظاهرة (معاداة السامية)، فلقد استغلت هذه الظاهرة لطرد هذا الشعب من وطنه، وإيقاع المذابح المتواصلة به إلى الآن!!..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات