الجمعة 29/مارس/2024

اليهودي البريطاني الذي يحرك حملة مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين

اليهودي البريطاني الذي يحرك حملة مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين

يطرح قرار مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين الذي اتخذته الجمعية الوطنية للأساتذة الجامعيين في بريطانيا – والتي تضم أكثر من 69 ألف أستاذ ومحاضر جامعي احتجاجاً على سياسة “الفصل العنصري” التي تمارسها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين – سؤالاً محورياً حول دور المثقف في إدانة القمع والظلم والطغيان الذي تمارسه الأنظمة السياسية ضد الشعوب الضعيفة والمقهورة.

 

ليس هذا هو القرار الأول من نوعه الذي تتخذه الجمعية المذكورة للأساتذة الجامعيين في بريطانيا ضد المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. فقبل عام تحديداً اتخذت الجمعية قراراً بمقاطعة جامعتي حيفا وبار إيلان لمشاركتهما في المحاضرات التي تعطى في كلية اليهودية والسامرة الأمر الذي اعتبرته الجمعية البريطانية تورطاً من الجامعتين الإسرائيليتين في الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.

 

وجاء هذا القرار ليدعم الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابي الذي يعتبر من أهم الشخصيات في التيار النقدي للرواية الصهيونية التقليدية لحرب 1948 والذي يُعرف بتيار ما بعد الصهيونية بعد تعرضه لضغوط كبيرة من إدارة جامعة حيفا لدفاعه عن الرسالة الجامعية التي أعدها الطالب تيدي كاتس والتي كشفت حقائق عن مجزرة الطنطورة التي تعرض لها الفلسطينيون عام 48 على أيدي القوات الصهيونية.

 

يومها اضطرت الجمعية إلى التراجع عن قرارها لتعود هذه المرة بقرار آخر يدعو إلى مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين الذين لا يعلنون معارضتهم لسياسة التمييز العنصري التي تمارسها حكومتهم ضد الشعب الفلسطيني.

 

الانعكاسات العملية لهذا القرار على الباحثين الإسرائيليين قد لا تظهر في المدى المباشر وإنما البعيد، وقد تؤثر بصورة خاصة على الباحثين الشباب هذا هو رأي البرفسور في معهد التخنيون الإسرائيلي تسفي تسيغلر.

 

فالكثير من الطلاب الجامعيين الإسرائيليين الذين يقومون بأبحاثهم الجامعية في الخارج بحاجة إلى مشاركة أساتذة جامعيين مختصين في لجنة التحكيم، والالتزام بهذا القرار قد يؤدي إلى مقاطعة الأساتذة البريطانيين لذلك، كما من شأن هذا القرار التأثير على المنح السنوية لأبحاث الطلاب الإسرائيليين.

 

ولكن ليس الجانب العملي هو الأهم في هذه القضية التي أثارت كالعادة ردود فعل إسرائيلية حادة، فانهالت الاتهامات التقليدية بأن القرار هو أحد أوجه “العداء الجديد للسامية”. فالمهم هو الجانب الأخلاقي والثقافي السياسي العام الذي حاول دعاة القرار الدفاع عنه.

 

من بين الشخصيات البريطانية البارزة التي كانت وراء القرار البروفسور ستيفن روز (68 عاماً) عميد كلية العلوم الطبيعية في الجامعة المفتوحة في بريطانيا. وروز من أصل يهودي رغم كونه علمانياً، فقد ترعرع في بيت أرثوذكسي صهيوني في شمال غرب لندن، وقتل عدد من أفراد عائلته في معسكرات الإبادة النازية. كان والده من الناشطين في الجمعيات المعادية للفاشية. درس في جامعة أوكسفورد وأجرى فيها أبحاثه، يحمل شهادة دكتوراه في النوروبيولوجيا، بالإضافة إلى نيله شهادة دكتوراه في التحليل النفسي. صاحب شهرة عالمية له العديد من الأبحاث المنشورة التي نالت جوائز، وتعتبر مرجعاً للعديد من البحاثة في مختلف أنحاء العالم.

 

بدأ روز تحركه قبل أربع سنوات عندما أرسل مع زوجته رسالة إلى صحيفة “الغارديان” البريطانية دعا فيها إلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بسبب السياسة العنصرية التي تنتهجها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين.

 

في مقابلة أجرتها معه صحيفة” معاريف” يدافع البروفسور روز عن قرار المقاطعة قائلاً إن على “إسرائيل” أن تفهم “أن النزاع مع الفلسطينيين ليس شأناً يهودياً، وأن القمع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني هو عار على المجتمع الإنساني بأسره ومأساة يومية بالنسبة للفلسطينيين.

 

وربما من سخرية التاريخ المرة أن اليهود الذين عانوا من الاضطهاد في أوروبا صاروا اليوم الذين يمارسونه”.

 

البروفسور روز الذي يعتبر أن هدفه في الحياة “فهم العالم ومحاولة تغييره” يرى أن على المجتمع الإسرائيلي الاعتراف بالظلم الذي لحق بالفلسطينيين جراء قيام دولتهم على أرض سكنها الفلسطينيون وعملوا فيها طوال أجيال وقرون قبل مجيء المهاجرين اليهود الذين “سرقوا الأرض واعتبروها ملكاً لهم”. وعلى الإسرائيليين الاعتراف بـ”مأساة النكبة” وأن الفلسطينيين ليسوا “جنساً أدنى”، كما عامل النازيون اليهود. وفي رأيه من غير المنطقي معاقبة الفلسطينيين على فوز حركة “حماس” في الانتخابات، والقوانين الدولية تحمل “إسرائيل” مسؤولية الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلالها.

 

ويدافع روز عن قرار الجمعية بأنه ليس قراراً موجهاً فقط ضد “إسرائيل” فللجمعية أيضاً مواقف كثيرة ضد وجود القوات الأميركية والبريطانية في العراق ومناهضة للحرب.

 

ويتخذ نموذجاً للتحرك الذي تخوضه الجمعية اليوم ما حدث في الماضي ضد حكم التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والذي على مدى الأعوام أثبت فائدته. يعترف روز بأن القرار قد يكون محدود التأثير ولكن ذلك لا يعني أنه من دون فائدة لا بد أن تظهر مع مرور الزمن.

 

وبغض النظر عما ستسفر عنه الحملة المضادة التي تخوضها “إسرائيل” ضد قرار المقاطعة واللوبي اليهودي في بريطانيا والعالم، فالأكيد أن القرار اليوم يعكس حساسية متنامية وسط المثقفين في الغرب من اليساريين المعادين للسياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من التيار الغربي المعادي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة في العراق.

 

قد تبدو معاقبة الأكاديميين الإسرائيليين على صمتهم وتواطئهم مع سياسة دولتهم العنصرية ضد الفلسطينيين عملاً أخلاقياً وثورياً بامتياز بالنسبة للأكاديميين البريطانيين الذين صوتوا إلى جانب قرار المقاطعة.

 

وهو قرار يستحق الشكر والثناء من جانبنا نحن جماهير الدول العربية التي لا يستطيع مثقفوها أن يفتحوا فمهم بكلمة انتقاد أو مبادرة دفاعاً عن الحق والحرية والعدالة إلا ويدفعون ثمنها قتلاً وسجناً وتهديداً وتنكيلاً من جانب أنظمة تعتبر أن الدور الوحيد للمثقف العربي أن يصفق للسلطة وأن يدافع عن سلطانها الأوحد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات