الخميس 25/أبريل/2024

عام على الانسحاب الصهيوني.. غزة أكبر سجن في العالم

عام على الانسحاب الصهيوني.. غزة أكبر سجن في العالم

في مثْل هذا اليوم، الثاني عشر من شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي أكملت قوات الاحتلال انسحابها من 8 مستوطنات منتشرة على طول قطاع غزة، وفي ساعات الفجر، دخل المواطنون إلى الأراضي المحرَّرة أفراداً وجماعات، شوقاً لأرض حُرموا رؤيتها على مدار 38 عاماً.

 

ربما كانت الدلالة الكبرى التي يحملها حدث الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة؛ أنها جاءت تتويجاً لأطول مخاض متواصل من المقاومة على الأرض الفلسطينية منذ نكبة 1948، جاء هذا المخاض الذي حمل عنوان “انتفاضة الأقصى” كحالة تراكمية كبرى، استجمعت تجارب الثورات والانتفاضات الفلسطينية، قبل النكبة وبعدها، لكنّ المقاومة المسلحة التي تفجَّرت في خريف عام 2000 كانت متميِّزة بضراوتها غير المسبوقة؛ وباتِّساع قاعدة المنخرطين فيها.

 

وقد استمر تنفيذ الانسحاب الصهيوني قطاع غزة من 15 آب/أغسطس وحتى 12 أيلول/سبتمبر 2005 حين غادر آخر جندي صهيوني أرض القطاع، بعد أن كان القطاع مرتعاً لحوالي 8500 مستوطن، يشكّلون ما نسبته 2.5 بالمائة من مجموع المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية (بما في ذلك القدس المحتلة) وقطاع غزّة.

 

غير أن هذا النصر الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عملت قوات الاحتلال الصهيوني بالتعاون مع الإدارة الأمريكية وبعض الدوائر الغربية، على إفراغه من مضمونه عبر فرض حصار مشدَّدٍ على قطاع غزة، وارتفعت وتائر حدَّة هذا الحصار بُعيد الانتخابات التشريعية (25/1) التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بأكثر من 60 بالمائة من مقاعد المجلس التشريعي، هذا في الوقت الذي واصلت فيه قوات الاحتلال عملياتها الإرهابية في قطاع غزة من خلال القصف الجوي والبري للتجمعات السكانية والبنى التحتية.

 

الحصار الغربي الظالم، والعدوان الصهيوني المتواصل، جعل أهالي القطاع يقفون خلال العام الماضي على حافة مجاعة حقيقية، وصفتها المؤسسات الحقوقية والإنسانية بأنها أقسى وأشد ضراورة من المجاعات التي تنتشر في القارة السمراء..

 

صبيحة الانسحاب الصهيوني، تجوَّل الناس في أرض براح وبيارات مزروعة، وطرق معبدة، وكأنها قِطع من الجنة، طالتها يد الشيطان. تأمَّلوا أن ينتشر الخضار إلى كل القطاع، وأفاقوا بعد عام وقد زحف الدمار إلى كل مكان وتبدَّل الخضار والنضرة ببؤس قاتل للبشر والحجر.

 

وتتعالى صيحات الغزاويين اليوم: أنقذونا من هذا الحصار، بلا مجيب ولا مبالاة لحصار أو لمجازر الأطفال المستمرة، فلم تكن غزة أكثر عزلةً مما هي عليه الآن بلا سند أو داعم.

 

انسحب الاحتلال الصهيوني من داخل القفص، ولكنه زاد الأقفال على أبوابه، وشدَّد من كلاب الحراسة عليه، براً وبحراً وجواً، تنبح كل صباح فيسيل منها زبدُ ناريٌّ، يحرق الأخضر واليابس؛ طائرات حربية وبوارج بحرية ومدافع شيطانية.

 

باختصار، هدفت الاحتلال من وراء الانسحاب إلى عدة أمور: الهروب من المقاومة الشرسة، وسحب الخطوط الأمامية المتمثلة بالمستوطنات ونقاط المراقبة عليها، والاستفادة من التكلفة العالية لأمن المستوطنات، الخالية أصلاً، ودحض الموقف الذي يعتبر القطاع أرضاً محتلة، وبالتالي التملّص من المسؤوليات الملقاة على عاتقها كقوة احتلال تجاه القطاع وسكانه.

 

كما سعت الحكومة الصهيونية إلى إشعال نار الفتنة الداخلية في غزة، عن طريق عملائها، ومقايضة إخلاء قطاع غزة بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

 

وبعد عام، نرى أنها نجحت في تحقيق أهداف، وفشلت في تحقيق أخرى، فبينما استطاعت تضييق الخناق على القطاع، وإفشال كل محاولات الاستفادة من الأراضي المحرَّرة، ورفع درجة الاحتقان الداخلي درجةً إلى الأمام، نرى أيضاً أنها فشلت في تحجيم المقاومة، وضرب عمودها الفقري المتمثل في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

 

ومع شلاَّل الدم النازل، أحصت مصادر حقوقية استشهاد 362 فلسطينياً في قطاع غزة منذ الانسحاب، ولا زالت قوافل الشهداء تترى، ولا يبدو أفق القطاع إلا أحمر اللون يعّج بالأحداث المتوالية.

   

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات