الجمعة 29/مارس/2024

مؤتمر القدس في الميزان الفلسطيني

محمد غازي الجمل

على مدار سِنِي الصراع مع الاحتلال كان للفلسطينيين تجارب كثيرة مع النشاط الدبلوماسي العربي نالهم في أغلبها خيبة أمل بفعل الهوة بين الخطاب الرسمي والسياسات المنفّذة على أرض الواقع فهل يُعدّ “مؤتمر القدس صمود وتنمية” استثناء في هذا السياق؟

فبعد سنوات عجاف من التطبيع ودعوات التحالف مع الاحتلال والتكامل معه سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا التي جففت منابع عديدة لدعم الحق العربي والفلسطيني شهد العام الماضي بوادر لزيادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية بالتزامن مع القمة العربية في الجزائر ثم في مؤتمر القدس الذي انعقد في القاهرة يوم 12 فبراير/شباط الجاري.

فهل يعدّ هذا التوجه واحة واعدة في طريق التحرر من الاحتلال أم سرابا تحسبه الشعوب الظمآنة ماء؟

الخلفيات والسياق
يأتي المؤتمر في سياق “هجمة مرتدة” على مسار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال تقودها دولة الجزائر التي باتت تشعر بالتهديد السياسي والأمني بفعل تطور التطبيع المغربي الإسرائيلي إلى مستوى التعاون العسكري والاستخباري المعلن والتوجه لإنشاء صناعة عسكرية مشتركة في مجال الطائرات المسيّرة وهو ما يشكل تهديدا لأمن دول الجوار ومصالحها الإستراتيجية.

ولذلك استثمرت الجزائر فرصة رئاستها القمة العربية لإعادة التركيز على القضية الفلسطينية للاستفادة من كون المبادرة العربية للسلام ترهن التطبيع بتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وهو ما لم يتحقق ولا يتوقع له ذلك في المدى المنظور.

خطوة للأمام.. ولكن!
إن رفع مستوى الشعور العربي بمدى خطر دولة الاحتلال على دول المنطقة يعدّ إنجازا بلا شك. وإن توحيد الجهد العربي في المجال الدبلوماسي والإعلامي بشأن قضية القدس يعدّ خطوة ضرورية للأمام في مواجهة مشاريع تهويدها. والتخطيط لدعم صمود المقدسيين في مدينتهم عبر مشاريع عملية توجُّه صائب يطالب به الفلسطينيون منذ عقود.

إلا أن نجاح أي مساع من هذا القبيل في تغيير الواقع على الأرض يتطلب شمولا في العمل واستعدادا أكبر لأخذ بعض المخاطرة الضرورية لحماية الأمن القومي العربي.

فالاحتلال يستخدم مختلف أدوات العدوان عسكريا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا في معركة تهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى ولا يمكن أن تنجح إستراتيجية مقتصرة على الدعم السياسي والاقتصادي في مواجهته وقضية القدس ليست مجرد معاناة إنسانية تتطلب تعاطفا ودعما تنمويا بل جبهة من جبهات معركة تحرر شاملة تتطلب حشد الجهود وتكاتف مختلف أشكال الجهاد والنضال حتى تعوق تقدم الاحتلال وترفع كلفته تمهيدا لإزالته.

ولا يعقل أن تحيّد أي إستراتيجية لمواجهة الاحتلال المقاومة الفلسطينية من المشهد ولا تعدّها ورقة قوة قادرة على إيلام الاحتلال ورفع كلفة عدوانه.

بين الأقوال والأفعال
إن نجاح أي إستراتيجية يقوم على تناسق عمل مختلف المنخرطين فيها بما يصب باتجاه تحقيق أهدافها. وهنا تثور أسئلة أساسية بشأن مدى اتساق سلوك عديد من الأطراف العربية ومواقفها المعلنة بشأن القضية الفلسطينية:

فإذا كان الدفاع عن القدس هدفا عربيا ذا أولوية وما دامت القدس أرضا محتلة فلماذا تصدر عن بعض الدول العربية إدانات للعمليات الفدائية التي يقوم بها المقدسيون دفاعا عن وطنهم ومدينتهم؟

ولماذا يتراجع الموقف الميداني لموظفي الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى من إسناد المرابطين فيه إلى السلبية والحياد بل ومطالبة المرابطين بإخلاء المسجد في أشد أوقات التهديد والتصعيد الإسرائيلي له؟

ولماذا نشهد معاقبة لقطاع غزة على انتصاره للمسجد الأقصى وخوض مقاومته معركة سيف القدس لردع الاعتداءات عليه ولماذا يستمر حصاره وإعاقة إعادة إعماره من قبل الدولة المستضيفة لهذا المؤتمر؟!

وكيف يمكن لدول عربية أن تكون حليفا للفلسطينيين ولدولة الاحتلال في الوقت ذاته ومن سيكون المستهدف بتعاونها الأمني والاستخباري مع دولة العدو؟

إن النظر إلى الاحتلال استنادا إلى كونه تهديدا لمصالح الأمة العربية ودولها مجتمعة ومنفردة يقتضي اعتبار التعاون مع الاحتلال عملا معاديا لبقية دول وشعوب المنطقة يستدعي الاستنفار في مواجهته وعدم قبول تغطيته بمواقف إعلامية خالية من المضمون بشأن التعاطف مع الفلسطينيين وإسنادهم.

ولا يجدي في هذا السياق الاستناد إلى تاريخ الدعم والمواجهة مع الاحتلال فموضوع البحث هو تقييم التوجهات الحالية للدول التي تورطت في التطبيع أما الجهود والتضحيات السابقة في مواجهة الاحتلال فهو الموقف الصحيح الذي تمليه المصلحة الوطنية والقومية والإسلامية والذي تلزم العودة إليه والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ مصلحيا وأخلاقيا.

التوقعات والمطلوب
ختاما إن نجاح أي إستراتيجية لمواجهة تغوّل الاحتلال على المنطقة عموما وعلى فلسطين والقدس خصوصا يتطلب إستراتيجية عربية شاملة تقوم على إعادة تعريف الاحتلال باعتباره تهديدا أساسيا لمصالح الدول العربية أمنيا واقتصاديا وسياسيا وتوظيف كامل الأدوات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية في مواجهته واعتبار مقاومة الفلسطينيين خط دفاع متقدما عن المصالح الجوهرية لشعوب المنطقة ودولها وهو ما يستدعي توفير الإسناد السياسي والإعلامي والمادي لها. ومواجهة الضغوط الغربية الساعية إلى وضع الدول العربية في حالة صراع مع المساعي الفلسطينية المحقّة في مقارعة الاحتلال والمدعومة بقناعة شعوب هذه الدول بأن في ذلك مصلحة وطنية وقومية إلى جانب صوابيته القيمية والأخلاقية.

وبخلاف ذلك فإن جدوى المؤتمرات والتحركات الرسمية العربية تبقى ضئيلة ومحدودة في حين يستمر الاحتلال بالقدم وفرض الوقائع على الأرض.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات