وأسيراتنا لا زلن خارج الأجندة السياسية الدولية والفلسطينية
صحيفة القدس العربي اللندنية
رغم مضي أكثر من ثلاثة عشر عاماً على أول اتفاق سياسي للتفاوض حول الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، ووضع أجندات التفاوض، على العديد من المسائل التي تعتبر شائكة بين الجانبين، والتي تمخضت عن قيام سلطة تنفيذية فلسطينية على بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا أن أموراً أخرى تحتمل ذات الأهمية للقضايا الأساسية بقيت مغفلة، ولم يتم التباحث فيها بالشكل الجدي والصحيح، وأهم هذه المسائل التي أغفلها المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي على وجه سواء، وكذلك الطرف الدولي الراعي لعملية التفاوض؛ عربياً كان أم أجنبياً، هي مسألة احترام حقوق الإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال.
ولعل الكثيرين من المراقبين الدوليين الذين حضروا للأراضي الفلسطينية لمراقبة الأوضاع في الانتفاضة الأخيرة، رصدوا العديد من المشاهدات العنصرية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المواطنين سواء قمع المظاهرات السلمية، أو الممارسات على الحواجز العسكرية، أو بناء جدار الفصل العنصري الذي أخذ الحيز الأكبر في الجدل الدولي، إلا أن المسألة التي بقيت في منطقة الظل، ولم تحظ إلا بالقليل من الملاحظات حول انتهاك المواثيق الدولية، هي قضية الأسرى، وبشكل خاص الأسيرات الفلسطينيات اللواتي تعرضن للاضطهاد والامتهان للحرية الشخصية والكرامة من قبل دولة تدعي أنها إحدى الدول التي تدافع عن قيم الديمقراطية وتطبقها، لأن القانون الدولي واتفاقيات جنيف تمنح حماية خاصة إضافية للنساء، أحكاماً عامة، كما في حالة المادة 14 من اتفاقية جنيف الثالثة التي توجب معاملة النساء… بكل الاعتبار الواجب لجنسهن؛ أو كما هو الحال في اتفاقية جنيف الثالثة التي تحدد الأحكام المتعلقة بتخصيص مهاجع ومرافق صحية منفصلة لأسيرات الحرب، فضلاً عن إيكال الإشراف المباشر عليهن إلى نساء، بالإضافة إلى الأمهات اللواتي يتعرضن للاضطهاد أثناء المسيرات ضد اعتقال أبنائهن، أو أثناء الزيارات للسجون.
ولم يقف الحد عند ذلك، بل إن “إسرائيل” عاملت هؤلاء النساء عند اعتقالهن كأسيرات حرب، رغم أن القانون الدولي في تعريفه لأسيرات الحرب استثناهن من التصنيف، فقد عرف القانون الدولي أسيرات الحرب على أنهن الأسيرات المقاتلات، وبحسب تعريف المقاتلين: هم أفراد كافة القوات المسلحة، أي المجموعات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة وتخضع لنظام داخلي يكفل اتباع قواعد القانون الدولي واجبة التطبيق في النزاعات المسلحة.
وعبر هذا التعريف للمقاتلين، نجد أن أكثر من 90% من هؤلاء المعتقلات خارج نطاق المقاتلات بحسب القانون الدولي، بالإضافة لعدم احترام خصوصية القوانين الدولية التي منحت خصوصية توفير حماية إضافية للنساء فيما يتعلق باحتياجاتهن الطبية والنفسية الخاصة التي تتعلق عادة، بدورهن في الحمل، ولاعتبارات الخصوصية. على سبيل المثال، تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن تكون النساء الحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وتوجب، في حالات الاحتلال، صرف أغذية إضافية للحوامل والمرضعات تتناسب مع احتياجات أجسامهن،… ولا يجوز أن تفتش المرأة إلا بواسطة امرأة. ويحمي القانون الدولي الإنساني أيضاً النساء اللاتي يشاركن بنشاط في الأعمال العدائية بنفس أسلوب توفيره حماية عامة وخاصة للنساء المدنيات.
لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال. ويجب أن تُعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن. ويجب على أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال.
“المادة 14 من اتفاقية جنيف الثالثة، 12 آب (أغسطس) 1949.”
ولا يعتبر الاحتلال هو المسؤول الوحيد عن هذه الانتهاكات الدولية لحقوق الأسيرات الفلسطينيات، فالمجتمع الدولي كذلك مشترك بهذه الجريمة التي تمارس بحق هؤلاء بصمته المطبق، واللواتي قدر عددهن بـ600، تم اعتقالهن خلال انتفاضة الأقصى وبقي منهن 128 في السجون حتى الآن من كافة الفئات الاجتماعية والعمرية، حيث يوجد من بينهن 12 طفلة لم يبلغن سن 18 عاماً، في ظروف صعبة ومخالفة للقانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل، الذي يعد أي شخص دون الثامنة عشرة طفلاًـ حدثاً حتى حسب القانون الإسرائيلي المحلي والقانون الدولي، وحسب تعريف الحدث الوارد في قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم.
لكن حسب القوانين العسكرية الإسرائيلية ينظر للأطفال الفلسطينيين بعمر 16 كبالغين، فبعد الرابعة عشرة من العمر يعامل ويحاكم الأطفال الفلسطينيون كالمعتقلين البالغين، مما يشكل انتهاكا للقانون الإنساني ويعني عدم وجود أية محاكم خاصة بالأطفال.
وتحتجز النساء الأسيرات في أماكن لا تليق بهن، دون مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة، ودون توفر حقوقهن الأساسية، التي نصت عليها المواثيق الدولية والإنسانية، ويعشن في ظروف قاسية، ويتعرضن لمعاملة لاإنسانية، وممارسات غير قانونية. بالإضافة لعدم قانونية اعتقالهن، فقد تم اعتقال بعض النساء على خلفية قرابتهن من مطلوبين، أو للضغط على أزاوجهن المعتقلين خلال التحقيق، بالإضافة للخرق الصريح للقانون الدولي عبر تعرضهن للتعذيب الجسدي، وللشبح والتفتيش العاري من قبل الجنود وليس المجندات فقط، والتحرش لإجبارهن على الاعتراف.
كل هذا الاختراق لم يكن ضمن أي أجندة تفاوض فلسطينية مع الطرف الإسرائيلي، ولم يطرح في المحافل الدولية الراعية للمفاوضات، وكذلك لم يتم طرحه للنقاش حتى في مؤتمرات القمم العربية والتي وإن كانت صورية، إلا أنها كانت ستساهم حتى في مجال الإعلام في إخراج هذه القضية في منطقة الظلّ، ولم يساهم السياسي الفلسطيني بدوره الحقيقي في إيصال صوت الأسيرات الفلسطينيات إلى المجتمعات الدولية، وليس إلى الحكومات فقط.
ف”إسرائيل” دأبت على منع المحامين ورجال المنظمات الدولية في العديد من الأوقات من زيارة النساء في المعتقلات، اللواتي بحسب القانون الدولي معتقلات ضمن قوانين خاصة، وطالما أن “إسرائيل” لم تحترم القوانين الدولية لحماية حقوق أسرى الحرب فهن أيضاً معتقلات بشكل غير قانوني، عدا عن كون المقاومة حقاً مشروعاً في القوانين الدولية.
إلى متى سيبقى السياسي الفلسطيني غافلاً أو متغافلاً عن قضية الأسيرات، كشرط أساسي لاحترام حقوق الإنسان الفلسطيني قبل الوقوف على قضايا أخرى هامة، ومتى سيدرك السياسي الفلسطيني الذي لم يدرج قضايا الإنسان على سلم الأولويات؟
العديد من المناورات الدولية يخوضها الأطراف الفلسطينيون في طرح قضيتهم، إلا أنهم لم يضعوا ولو مرة واحدة شرط احترام حقوق الإنسان ـ والذي لا يستطيع أي طرف دولي رفضه إن طرح ـ كشرط للتفاوض مع “إسرائيل”؟
إن هذه المسألة يتحمل وزرها كل المجتمع الدولي، وكل القيادات السياسية العربية والإسلامية، بالإضافة إلى الرئاسة الفلسطينية ورئاسة الوزراء، وكل الأمناء العامين للفصائل الوطنية والإسلامية والحكومة الفلسطينية، أن عليهم تفعيل قضية الأسرى بشكل جدى، وتنظيم حملات شعبية على المستوى العربي والدولي لمؤازرة النساء في المعتقلات، والأسرى في يوم الأسير وطوال العام حتى تحرير كل الأسرى والأسيرات والأطفال والقدامى وكبار السن والعشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي في السجون، وخاصة في ظل تصعيد الهجمة الشرسة التي تشنها إدارة السجون مؤخراً مستهدفة سحب إنجازات الأسرى وتضييق الخناق عليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
* كاتب وصحافي فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
لليوم الـ 356.. القسام يدك تحشدات العدو بقذائف الهاون
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب الشهيد عز الدين القسام لليوم الـ 356 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور من قطاع...
حزب الله: قصفنا مقر استخبارات الاحتلال شمال فلسطين المحتلة
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن حزب الله، مساء الخميس، أن مقاتليه استهدفوا بصلية صاروخية الخميس قاعدة ميشار (مقر الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة...
لبنان تكشف حصيلة الضحايا الأطفال والنساء في العدوان الإسرائيلي
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة اللبنانية، الخميس، إن ما لا يقل عن 50 طفلاً و95 امرأة، قُتلوا في الهجمات الإسرائيلية المستمرة، منذ...
الرشق: الصحافيون والإعلاميون الفلسطينيون الصوت النابض لشعبنا المتطلّع للحريّة
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام وجّه عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزَّت الرّشق، الخميس، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني،...
15 شهيداً في مجزرة إسرائيلية استهدفت مدرسة تؤوي نازحين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 15 شخصا على الأقل وأصيب العشرات حتى الآن، إثر مجزرة مروعة ارتكبتها قوات الاحتلال داخل مدرسة تؤوي...
غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية - مساء الخميس- غارة على الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وسط حديث...
البنك الدولي: كل سكان قطاع غزة يعانون من الفقر والتضخم تجاوز 250%
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام قال البنك الدولي، إن كل سكان قطاع غزة يعانون من الفقر مع بلوغ نسبته 100%، وأشار إلى أن التضخم تجاوز 250%، بسبب...